حين لا أستطيع أن أتذكر شيئا، أقول لمن معى: معلش، ليمونة.. ولليمونة حكاية.
أخبرت أخى أنه حين يريد أن يخبر أحدهم عن أخته التى أتاها ألزهايمر فى ريعان شبابها، أن يبدأ قصتى بالليمونة.
يهمنى أن يحكى بتسلسلٍ قصصى ممتع..
إذ استيقظت ذات صباح أشتهى ليمونة (ومش حامل ومش بتوحم) ولم أستغرب نفسى أنى سأكل ليمونة...
ذهبت إلى المطبخ... أخذت الليمونة... قشرتها... أكلتها... ثم نظرت لبقايا الليمونة وقشرتها التى بيدى... ما هذا!!! أخذت دقائق لا عرف ما هذا الذى فى كفي:
قشر موزة، انا كان نفسى فى موزة!!!! انا اكلت موزة!!!! مش ليمونة!!!
ثم تتالى المواقف، بدأت أنسى مفردات كثيرة فى اللغتين اللتين أتحدثهما بطلاقة.
ابنتى الكبرى تتشاجر معى لأجل عمل فحوصات طبية (دى علامات جلطة يا ماما)!!! أما أصدقائى ينصحون بالتغذية السليمة والفيتامينات والمكملات الغذائية ( العضمة كبرت).
لكن لليمونة او النسيان مغذى اخر ( عندى أو عند غيري).
الرائع محمد طه تحدث عن ميكانيزمات مختلفة تأخذها النفس كوسائل دفاع ( لا ادعى ان الزهايمر احداهم) و لكن الحديث عن النسيان عامة... و ليس حين يأتينا بغير ميعاد كعادته، و لكن حين نستدعيه لنحمى انفسنا من الالم، من الصدمات.
نلجأ لليمونة حتى نساعد انفسنا على الاستمرار...
فالطب مثلاً يتحدث عن النسيان كداء وكدواء... فتارة اغذية و تمارين يحفزان الذاكرة و العمل على الحفاظ عليها من الخرف...و تارة نصائح بعدم استدعاء الذكريات الأليمة و دعوة لمداواة الارواح و دفن كل ما هو موجع بلا رجعة.... و تارة اخرى جنون اكتشاف اسرار هذه الآليات المعقدة و تخصيص اموال طائلة فى المختبرات لفهم كنه هذا الخلق ( مش حباً فيه، اكيد لا... فطبيعة البشر اثبتت ان هناك دائماً مصلحة ورا كل حاجة و اى حاجة) .. تخيل لو توصلت البشرية لسر النسيان و اصبح له زراً نضغطه ( سيتغير شكل الكون. أأكد لك ذلك) و لكن لا زال النسيان على كم التقدم الحديث، بئراً لا قاع له.
اما الادب سواء العربى أو العالمى فمتعدش...
لو بحثت على جوجل كلمة نسيان سيهولك كم ما قاله البشر و حلموا و تخيلوا عنه، فهنا محمود درويش و ذاكرة النسيان ... و هنا احلام مستغانمى و نسيان.كم، و هنا الضحك و النسيان لكونديرا، و من اقاصى النسيان لباتريك موديانو و ٥٠ رسالة للنسيان لرهام يماني.... الخ الخ الخ.
اما عند الله ، كعادة كل خلقه هناك وجهان...فالنسيان له الثواب و اعقاب... فنسيان الفروض بعقاب، و نسيان الاذى و الصبر بثواب... و النسيان رحمة و عذاب ايضاً، فرحمة لقلوب ثكلى ان تمارس النسيان لكى تعيش، و عذاب لقلوب انتظرت و انتظرت و انتظرت و لم تنل بعد الانتظار شيء، فأصبحت تتجرع النسيان ايضاً لتستمر فى العيش.
نحن هنا فى زمن التغافل، زمن نرتدى به اقنعة النسيان لتحمينا من هول الصدمات... فمع تطور السنون، و تطور الخلق، حتى الصدمات و الاوجاع تطورت و اصبحت اشد فتكاً.
عزيزي:
ستتجرع النسيان كثيراً على مر حياتك, و جل ما اتمناه لك: فليكن نسياناً رحيماً لطيفاً بك.
شكراً
اخر الكلام:
قالت له: استكمل معها لو هى تغيرت؟
قال: لن تتغير.
قالت: استعود اليها لو هى تغيرت؟
قال: احبك انت، و هى لن تتغير.
لم يقل: لا يهم حتى لو تغيرت.
صدقته.
لكن الأخرى تغيرت و هو عاد اليها مهرولاً دون النظر الى الوراء للحظة.
العبرة:
لا تجعلوا من قلوب الاخرين غرف انتظار...حتى يحين ميعاد عودتكم الى اشخاص انتم اخترتم انتظارهم.
"النسيان بالنسيان والبعد بالبعد وأنا لنفسى وأنت لأمثالك."
احمد خالد توفيق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة