-1 هناك منهجية فى التحليل السياسى تقوم على أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر وتنظر للكون من وجهة نظره حتى تفهمه ومن ثم تستطيع التعامل معه، وأطلقوا عليها منهجية المحاكاة ولعب الدور (simulation and role playing). وسأحاول فى هذا المقال أن أوضح كيف يرى ثلاثة من قادة المنطقة المشهد السياسى عندهم.
-2 سأبدأ بالملف الإثيوبى، لو كنت مكان آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، وفى حدود المعلومات المتوفرة لدى وطموحاتى الشخصية، لنظرت لمخاوف مصر والسودان على أنها مبالغ فيها ببساطة لأن المياة لا بد أن تمر من السد فى كل الأحوال، فى حالة الفيضان، تهبط على إثيوبيا سنويا كمية مهولة من المياه وسد النهضة لا يخزن سوى 75 مليار متر مكعب، وإثيوبيا لا يوجد فيها إلا صحراء ولا تطل على بحر يمكن إلقاء المياه فيه إذا زادت مياه السد عن الحد الأقصى للتخزين، فمهما حدث لا أملك سوى أن أخرج المياه من البحيرة كل سنة فى شهر مارس على الأقل حتى أستقبل المياه الجديدة فى شهر يوليو، وفى حالة الجفاف، وإذا انخفض منسوب المياه عندى، فأنا لست بحاجة للمياه للتخزين وإنما للكهرباء، وبالتالى لابد أن تمر من فتحات السد حتى أقوم بتوليد الكهرباء، ثانيا أنا كرئيس وزراء إثيوبيا فى وضع سياسى سيئ للغاية والبلد لو لم ينشغل بهذه القضية فسينشغل بعشرات القضايا الأخرى التى ستؤدى إلى أن أخسر الانتخابات بل وربما أن تنفجر البلاد، إذن، لا بد أن تكون القضية حية لأنها لو ماتت، فسأموت أنا، ولا يمكن أن أقدم أى تنازلات، وإلا فسأخرج خاسرا بكل المعايير.
-3 الملف التركى الليبى، لو كنت مكان رجب أردوغان، وفى حدود المعلومات المتوفرة لدى وطموحاتى الشخصية، فلا بد أن أستغل ضعف الضعفاء حتى أقوى نفسى.. العرب لديهم أموال ضخمة وموارد اقتصادية مهولة ولا يحسنون استغلالها، سأستغلها أنا مستخدما سلاحين: الإسلام السياسى والجماعات المتأسلمة (السكينة) من ناحية وهشاشة الدول التى وقعت فريسة للانقسامات الأيديولوجية والقبلية والطائفية والعرقية الحادة (الشاة) من ناحية ثانية، أنا معى السكينة وسأذبح الشاة، سأستغل كل فراغ سياسى بإحداث فوضى ثم أقوم بالتدخل للقضاء على الفوضى وملء الفراغ، لا فائدة من ليبيا بدون النفط، لذا لا بد من حشد الجيوش حتى أحتل سرت والهلال النفطى، لا بد من إبقاء على علاقات قوية مع قطر، فهى منجم أموال، لا بد من دعم حزب النهضة الإخوانى فى تونس حتى يظل لى وجود فى الشمال الأفريقى، لابد من دعم كل الجماعات الإرهابية فى مصر حتى أخلق الفوضىى والفراغ وحتى يستنجد المصريون البسطاء بحلفائى من الإخوان وأعود للسيطرة على مصر بعد السيسى.. إذن، لا ينبغى أن تقف العجلة وإلا فسأقع، لا بد أن تتحرك إلى الأمام دائما، وإلا أنتحر.
-4 المف التونسى، لو كنت مكان الرئيس قيس سعيد، وفى حدود المعلومات المتوفرة لى وطموحاتى الشخصية، فلن أسمح لحزب النهضة الإخوانى باختطاف الحياة السياسية التونسية لأنهم وإن كانوا يمثلون ربع البرلمان (54 من 217 مقعدا) لكن الأغلبية تعاديهم. وسأقاوم بشدة قرار حزب النهضة سحب الثقة من رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، وسأبذل قصارى جهدى حتى لا يحصل طلب الإخوان بسحب الثقة على الـثلاثة وسبعين توقيعا من أعضاء المجلس لتمرير لائحة سحب الثقة، التى تحتاج بدورها لدعم مائة وتسعة نواب، تونس فى خطر لأنها فى خطأ، خطر ضياع الاستقرار بسبب خطأ وجود الإخوان، إذن لا بد من التصدى للأخطبوط الإخوانى من السيطرة على البلاد.
هذا ما أمكن إيراده وتيسر إعداده وقدر الله لى قوله.