من خلال التطورات الأخيرة فى الملف الليبى، واضح أن مصر ألقت حجرا كبيرا حرك الكثير من المياه الراكدة، مصر ليست طرفا طامعا، بل هى طرف يريد استقرار ليلبيا ويرفض أن تتحول إلى بؤرة للإرهاب تهدد الأمن المصرى مباشرة، والواقع أن مصر طوال تسع سنوات لم تتدخل بهذا الشكل الحاسم، إلا بالقدر الذى يحمى أمنها القومى، لكن التدخل التركى بدا أنه يتجه بالأوضاع فى ليبيا إلى اتجاه آخر، الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تجاربه كلها سيئة الصيت، فقد كان دائما يتحالف مع أكثر التيارات والميليشيات تطرفا، وأوهم أوروبا لفترة أنه يمنع تحول سوريا لمصدر تهديد، لكن النتيجة كانت مئات الآلاف من اللاجئين وإرهاب مؤكد وفوضى. ولا يزال أردوغان يعرقل أى حل يقود للاستقرار.
أردوغان يتحرك فى دوائر علاقات متعددة، ومصالح معقدة ومتشابكة، لكه يبالغ فى تصدير كونه حاصلا على تأييد أوروبى وأمريكى، هذه الدول لا تمنح موافقات أو اعتراضات وإنما تتحرك بناء على مصالحها، من هنا فإن التقييم الأوروبى والأمريكى لتحركات أردوغان ليس موافقة تامة، ولهذا دخل أردوغان فى صدامات مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وهناك شد وجذب مع روسيا، أمريكا، حتى لو كان هناك تعاون وما يشبهه التنسيق فى بعض الملفات، أردوغان أوهم أوروبا وأمريكا أنه يمكن أن يقوم بدور شرطى ممثل لمصالح الدول الكبرى، لكنه تجاوز فى الدور ظنا أنه يمكن أن يلعب وحده، وهنا ظهرت المصادمات.
الرئيس التركى راهن على أنه يمكن أن يفوز فى سباق الفوضى، ليحتل موقعا إقليميا كبيرا، على أنقاض دول مثل سوريا والعراق، لكن هزيمة داعش والميليشيات، أفسد الطبخة، فضلا عن صعود الدور المصرى، وتحول فى الأوضاع الاستراتيجية والسياسية.
الرئيس التركى أردوغان فى ليبيا، حاول ولا يزال تطبيق تجربة سوريا، استعمال وكلاء من داعش والقاعدة والمرتزقة فى فرض أمر وقع، ثم يدخل على أنقاض الفوضى، ولكنه لم ينتبه لتحولات كثيرة جرت فى المنطقة، ولم يلتفت إلى أن المعادلة هذه المرة فيها مصر، الجار الملاصق لليبيا، التى يصعب أن تسمح بتكرار إنتاج فوضى مثلما جرى فى الشام.
مصر ظلت تراقب وتتابع التفاصيل والتحركات، وقدمت مصر مبادرة للحل السياسى، تقوم على مشاركة الليبيين فقط، وليس غيرهم ولا ميليشيات أو قوى خارجية، وتعامل أردوغان ومنصاته بهيستريا، لأن الاستقرار ضد مصالح وأطماع وميليشيات، كالعادة هاجموا المبادرة وأعلنوا التحرك نحو سرت والجفرة.
هنا جاءت اللحظة التى أعلنت فيها مصر «قف»، وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى من المنطقة الغربية أن هناك خطا أحمر لا تسمح مصر بتجاوزه، وبعدها كرر: مصر ستتدخل بشكل مباشر فى ليبيا لمنع تحولها لبؤرة للإرهاب، وسنتوجه للبرلمان لطلب أى تحرك عسكرى خارجى. والتقى وفد قبائل ليبيا.
البرلمان منح التفويض، وهو ما يعد بمثابة إعلان واضح بالاستعداد، مصر طوال الوقت تقدم حديث السلام والاستقرار، لكنها أيضا تعرف أن السلام بحاجة إلى قوة ردع، وهى قوة تتوفر لدى مصر كما تعرف الأطراف الأخرى.
حاولت منصات أردوغان الدعائية فى الدوحة وتركيا خداع جمهورها المخدوع أصلا، لكن أحدا لم يتجاوز الخط الأحمر، واكتفوا بفواصل كوميدية أن القبائل الليبية لا تمثل الليبيين، وقبلها قالوا عن الجيش الوطنى الليبى والبرلمان لا يمثلان الليبيين، ولا يبقى سوى أردوغان ممثلا وحيدا للشعب الليبى، وهى فكاهة تجاوزت العقل والمنطق، مع علمهم أنهم يكذبون، ولا يريدون الاعتراف بأن المعادلة اختلفت وتغيرت قواعد اللعب.