فى الحقيقة الأساس القانوني لجريمة تبديد مال التركة بمثابة نص مهجور، تقرأه اليوم وكأنك اطلعت عليه للمرة الأولى، حيث لا توجد له تطبيقات قضائية حديثة للتعريف به من كافة جوانبه؛ وهو ما نصت عليه - المادة 889 - من القانون المدني المصري من أن: "يعاقب بعقوبة التبديد كل من استولى غشًا على شيء من مال التركة ولو كان وارثًا".
وتعد جرائم التركات والمواريث من المشكلات الاجتماعية الصعبة التى تواجه المجتمع وتتسبب فى تفتيت وتفكك الأسر، لذلك حرص المشرع على التصدى لهذه القضية ومعالجتها، وكان آخر الإجراءات المتخذة تعديل البرلمان للقانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، للتصدى لجريمة تبديد مال التركة ومنع تسليم الميراث للورثة، ولجريمة تبديد مال التركة أركان بموجب هذا النص وعقوبتها وهي ماهية جريمة الاستيلاء على شيء من مال التركة، والركن المادي للجريمة وهو الاستيلاء، وما لا يؤثر في قيام الجريمة، وإثبات وقوع جريمة الاستيلاء على شئ من التركة، وانقضاء الجريمة.
تبديد مال التركة بين التطبيق والتأويل
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية جريمة تبديد مال التركة التي تهم الملايين وتكتظ المحاكم المصرية بها ولكنها تأخذ مسمى الاستيلاء على الميراث أو عدم تسليمه في الوقت الذي يعتبر قوام هذه الجريمة وجود تركة في حوزة الذين كانوا يقيمون مع الميت، فإذا أخفى أحدهم شيئًا من مال التركة غشًا بنية الاستيلاء عليه وتملكه، اعتبروا في حكم المبددين وعوقبوا بعقوبة التبديد، حتى لو كان من فعل ذلك زوجة الميت أو أولاده إذا أخفوا مثلاً شيئًا من نقود الميت أو أوراقه المالية أو ما يملك من حلى ومجوهرات – بحسب الخبير القانونى والمحامى حازم عيسوى.
أولا: الركن المادي للجريمة الاستيلاء
فى البداية - لم يحدد المشرع المصري تعريف واضح للاستيلاء، واكتفى بالإحالة لعقوبة جريمة التبديد في مواد قانون العقوبات؛ وحيث قضي بأن الوارث الذي يضع يده على العقود التي كانت في حوزة أبيه قبل وفاته تعتبر هذه العقود لديه على سبيل الوديعة بالنسبة لباقي الورثة، ولا يقلل من هذا النظر أنه لم يباشر مع الورثة عقد وديعة، لأن القانون حين عرّف جريمة خيانة الأمانة في المادة "341" عقوبات لم ينص على أن تكون الوديعة باعتبارها سببًا من الأسباب التي أوردها على سبيل الحصر لوجود المال المختلس لدى المتهم وليدة عقد بل اكتفى في ذلك بعبارة عامة وهي أن يكون تسليم المال قد حصل على وجه الوديعة أو صار وديعة بيد المتهم ويكون مصدره القانون وليس العقد، طبقا للطعن رقم 519 لسنة 13 ق – وفقا لـ"عيسوى".
ومفاد ذلك أن جريمة الاستيلاء على شئ من التركة تقع بإخفاء الوارث الذي يضع يده على عقود التركة التي كانت في حوزة مورثه قبل وفاته، وتعتبر هذه العقود لديه على سبيل الوديعة بالنسبة لباقي الورثة، ولو لم يباشر مع الورثة عقد وديعة لأن تلك الأشياء اعتبرت وديعة هنا بنص من القانون.
ثانياَ: الركن المعنوي لجريمة الاستيلاء على شيء من مال التركة.
ويتحقق هذا الركن بتوافر عنصري القصد الجنائي، وهما علم الجاني بوجود تركة، واستعمال الغش في إخفائها وتوافر نية الاستيلاء عليها بقصد حرمان باقي الورثة، وفي هذا الصدد تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي: "وقد نصت المادة من المشروع على عقوبة جنائية هي عقوبة التبديد، توقع على كل من استولى غشًا على مال التركة حتى لو كان وارثًا، فمن كان في يده مال للتركة ولم يبلغ عنه بنية تملكه، وُقعت عليه عقوبة التبديد حتى لو كان وارثًا، وليس للوارث أن يحتج بأنه يملك بالميراث ما استولى عليه، وهذا لا يخل بتوقيع عقوبات أخرى أشد من عقوبة التبديد، كعقوبة السرقة، إذا كان هناك محل لذلك، أما مجرد الإهمال في التبليغ عن أموال التركة أو تعمد عدم التبليغ، ما دام غير مصحوب بالاستيلاء على مال التركة.
ومفاد ذلك أنه يجب توافر قصد جنائي لتكتمل به جريمة الاستيلاء على مال التركة بحسب ذلك النص قوامه استعمال الغش من الجاني حتى ولو كان وارثًا، طالما كان في يده مال للتركة ولم يبلغ عنه بنية تملكه؛ ويتحقق الاستيلاء بظهور الجاني على عناصر التركة بمظهر المالك، فلا يكفي مجرد الإهمال في التبليغ عن أموال التركة أو تعمد عدم التبليغ، ما دام غير مصحوب بنية الاستيلاء على شئ من مال التركة، وبقصد حرمان الورثة منه.
ثالثا: ما لا يؤثر في قيام الجريمة.
وكان الثابت أيضًا بأحكام النقض أنه بوفاة المورث تنتقل ملكية المنقولات والعقارات، وكل ما يملكه المورث إلى ورثته، فإذا استأثر وارث منهم بتلك الأشياء وحده دون باقي الورثة يعتبر خائنًا للأمانة ولا ينال من ذلك أن المتهم يعتبر شريكًا في ملكية تلك الأشياء لأنه إذا أنكر نصيب شركائه في الإرث وأبى رده فهو كل الأحوال مبدد، طبقا للطعن رقم 267 لسنة 3 ق.
ومفاد ذلك أيضًا: أن الاستيلاء يقع باستئثار الجاني بعناصر التركة بمعنى تغيير صفة وضع يده على تلك الأشياء من الحيازة الناقصة للحيازة الكاملة، ويعتبر خائنًا للأمانة حتى وإن كان وارثًا طالما وضع يده عليها وحده بنية الاستئثار بها، وقصد حرمان باقي الورثة.
رابعاَ: إثبات وقوع جريمة الاستيلاء على شئ من التركة.
يجب إثبات امتناع حائز التركة عن إعطاء الميراث للمستحقين بقصد الاستئثار به، ويثبت ذلك عن طريق إنذار المتضرر لواضع اليد على التركة وهو غير وجوبي، لكن من الأفضل تحديد وقت إتيان الفعل المادي، وإثبات نية الجاني الامتناع عن رد عناصر التركة، ويجب أن توضح الحصة الميراثية المطالب بها فى الإنذار وعريضة الجنحة المباشرة.
خامساَ: انقضاء الجريمة.
تنص المادة 15/1 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشرة سنوات من يوم وقوع الجريمة، وفى مواد الجنح بمضي ثلاث سنوات، وفى مواد المخالفات بمضي سنة".
وباعتبار جريمة التبديد في قانون العقوبات تعد من الجنح فقوام ذلك أنه تنقضي الدعوى الجنائية فيها بمضي ثلاث سنوات من تحقق وقوع الركن المادي، وفي بيان ذلك قضت محكمة النقض بأن: ميعاد سقوط جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشئ المختلس بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده، أو ظهور عجز المتهم عن رده، إلا إذا أقام الدليل على خلاف ذلك، إذ يغلب في جريمة التبديد أن يغير الجاني حيازته دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرية ما يدل على ذلك. فلا تثريب على الحكم فى اعتبار تاريخ امتناع الطاعن عن رد عقدي الوديعة بعد مطالبته بهما تاريخًا لارتكاب الجريمة.
وفي بيان ذلك قضي أيضًا بأن: "سن القاصر إزاء وصيه إذا اختلس ماله ليس لها أي تأثير في التاريخ الذى تقع فيه جريمة الإختلاس إذ المناط فى تحديد تاريخ الجريمة هو بحقيقة الوقت الذي وقعت فيه بالفعل. فإذا وجدت أمارات تدل على حصول الإختلاس فإن تاريخ الجريمة يعتبر من وقت وجود هذه الأمارات، فإن لم توجد فإن الجريمة لا يعتبر لها وجود إلا من اليوم الذى يمتنع فيه المتهم عن رد المال أو يثبت عجزه عن ذلك بعد تكليفه به بأية طريقة من الطرق. فإذا كان الثابت بالحكم أن القاصر بعد إنتهاء الوصاية قد تحاسب مع الوصي و حررا ورقة بذلك، وتعهد الوصي بأن يؤدي للقاصر فى تاريخ معين المبلغ الذي أظهره الحساب ثم لم يوف بتعهده، وحكمت المحكمة بالعقاب على أساس ما رأته من أن الدعوى لم يسقط الحق فى إقامتها لأن المحاسبة وما تلاها ليس فيها ما يدل على عجز المتهم عن الرد، بل إن العجز إنما ظهر فى وقت امتناع المتهم عن الوفاء بتعهده حتى قدمت الشكوى ضده مما يتعين معه اعتبار هذا الوقت مبدأ لحساب مدة السقوط فإن هذا الحكم لا يقبل الطعن عليه من ناحية مبدأ سريان المدة، طبقا للطعن رقم 1712 لسنة 9 ق.
التعديلات التى أدخلت على قانون المواريث والعقوبات
تعد جرائم الميراث من المشكلات الاجتماعية الصعبة التى تواجه المجتمع وتتسبب فى تفتيت وتفكك الأسر، لذلك حرص المشرع على التصدى لهذه القضية ومعالجتها، وكان آخر الإجراءات المتخذة تعديل البرلمان للقانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، للتصدى لجريمة منع تسليم الميراث للورثة، وجاءت التعديلات التى أدخلت على قانون المواريث كالتالى:
ـ أقرت عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من امتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث، أو حجب سنداً يؤكد نصيباً لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أى من الورثة الشرعيين.
ـ فى حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة.
ـ أجازت تعديلات قانون المواريث الصلح فى هذه الجرائم فى أى حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتاً، ولكل من المجنى عليه أو وكيله الخاص، ولورثته أو وكيلهم الخاص، وكذلك المتهم أو المحكوم عليه أو وكيلهما الخاص، إثبات الصلح فى هذه الجرائم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال.
ـ يترتب على الصلح انقضاء الدعوة الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة.
وإثبات امتناع حائز التركة عن إعطاء الميراث للمستحقين من الورثة يثبت عن طريق إنذار المتضرر لواضع اليد على التركة وهو غير وجوبى، ويجب أن توضح الحصة الميراثية المطالب بها على وجه التحديد فى الإنذار وعريضة الجنحة المباشرة، وجريمة تبديد التركة والامتناع عن تسليم الورثة حصتهم القانونية من الميراث، جريمة لها عدة أركان يجب توافرها من أجل شروع المتضررين فى اتخاذ الإجراءات القانونية التى تحفظ حقوقهم فى الميراث كالتالى:
أولاً:- شروط جريمة الامتناع عن تسليم حصة الميراث:
أ-وجود تركة مملوكة للموروث "ميراث".
ب-أن تكون التركة "الميراث" تحت يد أحد الورثة "فى حيازته".
ج-الامتناع حائز الميراث عن التسليم لمن له حق الإرث.
ثانيًا: المستندات المطلوبة:
أ-إعلام شرعى للمورث.
ب-سندات ملكية المورث.
ج-ما يفيد حيازة الممتنع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة