معروف أن أكثر مايميز الشخصية المصرية هو قدرة الإنسان المصرى على الصبر على المصائب أيا كان نوعها اجتماعية كانت أو سياسية أو حتى اقتصادية، وهو يتفوق فى ذلك على شعوب أخرى كثيرة، سواء في المنطقة أوالعالم أجمع، فالمصري بفطرته يعتبر أن المحن التى تمر به هى قدر "مكتوب" عليه، ومع ذلك فإن التاريخ المصرى لا يخلو من انتفاضات وثورات وتمردات لاتعد ولا تحصى، وتتجلى قدرته في وحدته أمام الشدائد والنوائب التي تلحق به، ويرجع ذلك - بحسب رأي الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ - إلى طبيعة هذه المنطقة من العالم ولجغرافية المكان والتاريخ أيضا، فنحن نسكن واديا منبسطا ليس فيه جبال مثلا، "وتاريخ المصرى مرتبط بالزراعة التى اكتشفها قبل غيره، والزراعة هى أم الصبر، وهى تختلف تماما عن المجتمع الصناعى الذى يعود جزء من نجاح أى عمل فيه إلى اختصار فترة الإنتاج بحيث يأتى الربح بأسرع ما يمكن، أما فى الزراعة فكل شيء بأوان".
ولأن لكل أمة من الأمم تاريخها الحربي الذي يرصد أحوال جيوشها وتطورها والوقائع التي خاضتها والقادة الذين أبلوا فيها، وما إلى ذلك من شئون تتصل بالحياة العسكرية التي لخصت لنا دروسا قومية، يمكن أن يتلقاها الخلف عن السلف، لكننا - للأسف - أهملنا كثيرا دراسة تاريخنا العسكرى، وماتزال بعض حلقاته مفقودة، ولم يتناولها الباحثون عن كثب، لكشف حقيقة المعارك التى يصل عددها إلى 943 معركة خاضها المقاتل المصري بشرف ولم يخسر في أي واحدة منها، رغم أنها في مجملها تشير إلى أن الجيش الوطني منذ تكوينه الأول وحتى اليوم على الإطلاق، حيث قام بأروع الواجبات - طبقا لوثيقة منذ ستة آلاف سنة - وهذه المدة على وجه التقريب هى أيضا تمثل تاريخ الجيش المصري.
وليس ثمة من يجهل الجندي المصري الذي نسج لوادي النيل تاريخا من أزهى وأعرق تواريخ الأمم على الإطلاق، وخلف تراثا سيظل معينا للفخار على مر الأيام، بعد أن حارب المصري في آسيا وأفريقية وأوروبا، فوطئت قدماه أرضها، وامتطى ظهر مياهها، وامتزجت دوماؤه بترابها، وخلد ذكرى قلما يدانيها جندي مثله، بينما الأمم كلها كانت تتيه في بيداء الجهالة، فقد اقتاد الجيوش رجال من أمثال " مينا وأحمس وتحتمس ورمسيس وبسماتيك وصلاح الدين الأيوبي وقطز وقلاون ومحمد على باشا الكبير وابنه إبراهيم، مرور بأحمد عرابي وعبد الناصر والسادات ومبارك، ووصولا للرئيس السيسي"، وصنعوا أساطير تؤكد أن مصر عاشت أمة مستقلة، ذات سيادة خلال معظم تلك السنين الطوال بفضل زعمائها من رجال الإدارة والجيش، وبجهود شعبها الحي، فعلى عاتق هؤلاء الجنود من أبناء النيل، ومن هذا الوادي الأخضر تدفقت الجيوش المصرية، لا تستحثها رغبة التوسع على حساب الآخرين، ولا تلهبها سياط السوء للاعتداء على المجاورين، لا ، فإن المصريين - في شتى حروبهم - كانوا دائبي الوصول إلى حدودهم الطبيعية، ليأمنوا غزوات المعتدين أو نقض المتعاقدين أو من أجل الدفاع عن حليف.
ومما يجدر قوله أن الجندية كانت في مصر القديمة في طليعة المهن التي تسبغ الشرف على صاحبها، وتمنحه ميزة - إن لم تكن مميزات - على أقرانه، بل أكثر من ذلك أن الجندي حظى بالتقدير والاحترام مثلما حظى الكاهن نفسه، وغني عن القول أن أعمال الجيش آنذاك كانت محل الإعجاب والتقدير، تستهوي في القلوب موضع الحب، ومثل هذه الحقيقة تتبدى بجلاء حين نشاهد النقوش الأثرية مشتملة صورة الفتية وهم يتنقلون في صفوف منتظمة، أو في أفنية التدريب، يعدون أويتلقون دروس الرماية بالقوس والطعن بالحراب، ولما عرفت مصر ميزات الأسلحة المدرعة والسريعة أدخلتها الجيوش ودربت جندها على استخدامها.
فلم يك بدعا أن تموج المدن المصرية في أيام الفراعنة بالشبيبة المتوقدة حماسة ونشاطا، الزاخرة بالإقدام وحب الجندية، وإننا كلما نتأمل في متباين تمارين القتال البادية على النقوش الأثرية، كلما تمثلت لنا صورة وضاءة لأمة حربية ألفت الحرب لأنها آمنت بأن العيش السعيد لا يتأتى إلا في ظل النصر، ولعله يبدو ملحوظا أيضا أنه كانت وماتزال وستظل جهود المؤسسة العسكرية المصرية واضحة لتأمين وسلامة المتظاهرين فقد مكنت القوات المسلحة الشعب من ممارسة "الديمقراطية المباشرة" التي كانت تُمارس في روما القديمة، حين قرر الشعب مصيره بخارطة طريق المستقبل في 30 يونيو 2013.
هذا الكلام كله يعكس بالضرورة أن الجيش المصري هو المنتصر دوما، ومن ثم فلاخوف عليه مما قد يقدم عليه في الأيام وربما الساعات القليلة القادمة في مواجهة محتمله في ظل توسعات "أردوغان" وسياساته العدوانية في اختراق الأمن القومي العربيى من البوابة الليبية طمعا في السيطرة على النفط والغاز، خاصة بعدما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من شهر من الآن أن "سرت والجُفرة" خط، وذلك خلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية في إطار الإطمئنان على جاهزية القوات لتنفيذ أي مهمة تطلب منهم لحماية الأمن القومي، سواء كانت داخل مصر أو خارجها.
القضية الليبية تمثل "أمن قومي"، بالنسبة لمصر، لا يقبل فيها أي تهاون، ومن ثم كانت القاهرة طيلة السنوات الماضية تتعامل بحكمة وهدوء وصبر مع الأزمة الليبية، لكن عندما استشعرت القاهرة الحرج، وأصبحت المعادلة على الأرض تتجه إلى تفتيت الدولة الليبية، وبدء الاقتتال الداخلي داخل القُطر الواحد، كان على مصر تعلنها بوضوح وأمام العالم جميعًا بأنها لن تسمح بتفتيت ليبيا، أو نشر الفوضى فيها عن طريق "المرتزقة" التي أرسلتهم أنقرة لنصرة "حكومة الوفاق" الليبية، لذلك أعلنت مصر في تصريحات رسمية، صادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وباقي مؤسسات الدولة المعنية، بأنها ستتدخل لحماية "أمنها القومي المباشر"، وبشكل لا يقبل فيه النقاش، وأنها مستعدة بكل "حسم وقوة" أن تغير المشهد على الأرض، لإرجاع الأوضاع على ما هي عليه.
الطاغية التركي رجب طيب أردوغان من جانبه قرأ رسالة مصر جيدًا، وعلم أن مصر، لن تسمح أو تفكر، بأن يُهدد أمنها القومي، نتيجة ما يقع في دولة الجوار ليبيا، وعلم أيضا أن مصر تمتلك من "القدرة والإمكانية" لإيقاف حلمهُ، لذلك، لجأ لما يُجيد فعلهُ منذ سنوات، وهو نشر الأكاذيب وممارسة أعمال التشكيك المستمرة في الدولة المصرية، وهنا لابد من توضيح شيء مهم وهو أن التاريخ لا يكذب .. فهل تكرر مصر الدرس القاسي للنظام التركي عندما كانت على أبواب أسطنبول؟.. ربما يحدث ذلك خلال أيام أو ساعات، خاصة في ظل تلك السموم التي تبثها الأبواق الإعلامية المتواجدة في تركيا وقطر، والتي يدعمها نظام الرئيس التركي وأمير قطر، عن طريق اختلاق الأكاذيب، فعن طريق بعض المأجورين وخونة الوطن في الخارج، خرجت علينا أبواق تحذر الشعب المصري من التدخل في ليبيا، وأن الرئيس السيسي يريد أن يورط مصر في حرب لا شأن بها، وأن تركيا تحافظ على الشرعية في ليبيا، إلا أن رهانهم على الشعب المصري قد خسر، وأن ما يفعلوه منذ أن قام الشعب المصري بثورته العظيمة في 30 يونيو عام 2013، يفشل.
ربما لجأ أردوغان ونظامه لأساليب أخرى من "الحرب النفسية"، وهى التشكيك في قدرة مصر على حماية أمنها، وذلك عبر صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، الموجهة لمصر، نظرا لأن "السوشيال ميديا"، أصبحت متحكمة بصورة كبيرة، في تشكيل وعي وتفكير ملايين البشر، وكان الرد العملي على تلك الأكاذيب من خلال المناورة العسكرية حسم 2020، والتي قام بها الجيش المصري بالقرب من الحدود الغربية، والتي أكدت على مصر مُستعدة وبكل قوة لحماية أمنها القومي في الداخل والخارج.
ولأن مصر كانت دائما وأبدا تسعى كانت دائما للسلام ولم يقم جيشها بأي عدوان على أرض غيره، بل كان دائما جيش دفاع يتصدي بشراسة للمعتدي أي كان نوعه أولونه أو جنسه، لذا لجأت القيادة السياسية للحل السياسي بالنسبة للأزمة الليبية، فقد التقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الرابع عشر من شهر يوليو الجاري، بمشايخ وأعيان القبائل الليبية، الممثلة لأطياف الشعب الليبي بجميع ربوع البلاد وذلك تحت شعار "مصر وليبيا .. شعب واحد ومصير واحد"، حيث أكد الرئيس لمشايخ وأعيان القبائل الليبية علي أن الهدف الأساسي للجهود المصرية علي كل المستويات تجاه ليبيا هو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي من أجل مستقبل أفضل لبلاده وللأجيال القادمة من أبنائه، مشددا في الوقت ذاته على أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي تحركات تشكل تهديدا مباشرا قويا للأمن القومي ليس المصري والليبي فقط وإنما العربي والإقليمي والدولي.
وكان ومازال الحرص المصرى منذ البداية، على دعم الجهود المبذولة للوصول لتسوية شاملة ليبية، تتوافق مع خيارات الأشقاء فى ليبيا وتوحيد المؤسسات الوطنية وخاصة العسكرية، حيث أن الأمن الليبيى يعتبر جزءا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، ومصر تستهدف من خلال الدبلوماسية النشطة الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية، كما أنها لم تتدخل في الشأن الليبي احترامًا لليبيين، وحتى لا يذكر التاريخ أن مصر تدخّلت في شئون ليبيا والليبيين في موقف ضعف، لكن الموقف الآن مختلف، ومعادلة الأمن القومي العربي والمصري والليبي تهتز، ولهذا أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية في الأزمة الليبية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة "حق الدفاع عن النفس"، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي "مجلس النواب الليبي".
والشيئ بالشيئ يذكر فلايمكن للأغا التركي المتغطرس أن ينسى ما حدث في مصر من "كارثة" - من وجهة نظره - والتي أسُقط فيها حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية عن طريق ثورة شعبية عظيمة في التاريخ البشري، وهى ثورة 30 يونيو 2013، والتي خرج فيها ملايين المصريين ضد الحكم الاستبدادي لجماعة الإخوان، ولقد أراد إردوغان الانتقام من مصر وشعبها، وذلك بعد إنهيار حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتفتت الحلم العثماني الذي أنهار، فلقد حاول الرئيس التركي، أردوغان إحياء مع فعلهُ أجدادهُ، من تدمير وتخريب وسرقة لثروات الشعوب، وقتل الأبرياء وإشاعة الفوضى والقتل، وذلك بدعمه للعناصر الإرهابية والتكفيرية والمرتزقة، التي تهدد أمن مصر وشعبها.
أعيد وأكرر أن جيش مصر القوي والوطني بتاريخه المشهود يؤكد أن القوات المسلحة تدرك حجم التحديات والتهديدات المحيطة، ليس فقط بالأمن القومي المصري، بل بوجود مصر وكيانها وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التي تجتاح عالمنا العربى ومحوره الرئيسي وعموده الفقري هى مصر، ومن هنا، أتى اهتمام القيادتين السياسية والعسكرية فى تلك المرحلة بتقوية وتدعيم قواتنا المسلحة، فى مختلف أفرعها الرئيسية وتشكيلاتها القتالية، ووحداتها ومختلف منظوماتها على مختلف المستويات، بكل ما تحتاجه من قدرات قتالية ودعم إدارى وفنى ورعاية معيشية، كى تكون قادرة فى كل وقت على مجابهة التحديات التى تتفجر حول مصر وعلى مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، وهو مايؤكد على حقيقة أن الجيش المصري يبقى منتصرا دائما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة