افلاس، واستغلال للمشاعر الدينية بحثاً عن شعبية تلاشت بمرور الوقت.. هذا ما أجمع عليه كثيرون من ساسة العالم في تعليقاتهم على ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أول صلاة جمعة داخل متحف آيا صوفيا، الذى قرر النظام التركي تحويله إلى مسجد في تحد لمؤسسات وهيئات التراث العالمى، وفى استفزاز غير مبرر لمشاعر المسيحيين حول العالم.
وفى تعليق على الأزمة، قال رئيس المركز الدومينيكى للحوار بين الأديان والثقافات فى إسطنبول، الأب كلاوديو مونجي في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية إن "التشويه الذى ألحقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ آيا صوفيا يأتى باعتبارها معجزة معمارية فنية، وشهادة ملموسة لتاريخ معقد ومتعدد الحقب، والتى ضربت أيضًا كمصنع لا ينضب للأبحاث ومفترق طرق للفنون والأديان والثقافات".
آيا صوفيا ظل من مظاهر التراث العالمى على مدار عقود
وأضاف: "الباقي في الأمر هو مجرد خطاب دعائي يستغل المقدسات ورموزها بشكل فعال، ويثير ردود فعل عاطفية، تغذى استقطاباً بين الإسلام والغرب الذى يُخال أنه مسيحى، بينما لا يتعدى الأمر كونه مجرد تبسيط مبتذل".
وأضاف الأب مونجى، المقيم فى إسطنبول منذ 17 عامًا، أن "كثيرين قد وقعوا في فخ الاستغلال الديني، فشريحة كبيرة من الإسلام في الشرق والغرب أدانت المبادرة.
وأوضح أن كنا نفضل تفسيراً سياسياً استراتيجياً، أكثر من ذلك الدينى بالتأكيد، حتى لو كان خطاب أردوغان السياسي قد تغذى بالخطاب الإسلامي دائمًا أيضًا، فعلى خلفية التحدى ضد الغرب، تكمن الحاجة لإرساء قاعدة انتخابية راسخة، حتى لو كان الحزب بأكمله يعاني من تراجع في القبول أكثر من شخص إردوغان نفسه".
وأشار الراهب الدومينيكي الى أن الرئيس التركي، "يحاول صرف الانتباه عن ملفات أكثر أهمية بكثير، كالوضع الاقتصادى الصعب أصلا، والذي أصبح أكثر درامية بسبب الوباء، مبينا أنه "يلعب ورقة الكبرياء السيادي".
وخلص الأب مونجي إلى القول إن إردوغان "يجد مرفأ مثاليًا في غرب ما، يشهد فيه منطق الحملة الصليبية بروزا أكثر من أي وقت مضى".
بدوره، علق رئيس وزراء اليونان كرياكوس ميتسوتاكيس قائلًا: إن تركيا مثيرة للشغب، وتهدد السلام في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وتتحدى الحقوق السيادية لليونان وقبرص ، وفى نفس الوقت تدمر ثقافة القرن الحادي والعشرين ، مع تصرفات مثل تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
اردوغان آثار استفزاز المجتمع الدولى بمسرحية جديدة
وقال كرياكوس: إن ما يحدث فى اسطنبول ليس مظهرًا من مظاهر القوة ولكنه دليل على الضعف، والدليل عدم قدرتهم على حجب إشعاع موقع التراث العالمي.
وقال كرياكوس، أنه وبالنسبة لنا المسيحيين الأرثوذكس اليونانيين ، آيا صوفيا هي اليوم أكثر من أي وقت مضى في أرواحنا، وهذا هو المكان الذي ينبض فيه قلبنا، وتحويل الحزن إلى قوة ورباطة جأش ووحدة، لأن آيا صوفيا موجودة على وجه التحديد لتوحيدنا جميعًا ، وهكذا ستبقى إلى الأبد.
وفى لبنان، أعرب "اللقاء الأرثوذكسى" وهو تجمع سياسي – ثقافي يضم رموز الطوائف الأرثوذكسية في لبنان عن استنكاره وتنديده الشديدين بقرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تحويل متحف "آيا صوفيا" التاريخي إلى مسجد، مؤكدين أن القرار يمثل عملا استفزازيا يخالف أسس العيش المشترك ومبادئ التسامح والسلام.
جاء ذلك خلال المؤتمر الذي نظمه اللقاء الأرثوذكسي اللبناني بعنوان "آيا صوفيا معلم من معالم التراث العالمي" بمشاركة واسعة من ممثلي الطوائف المسيحية والقوى السياسية اللبنانية، وأكد المشاركون في المؤتمر أن قرار السلطات التركية يؤجج الصراعات الدينية، ويخالف وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك التي أبرمها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأشاروا إلى أن القرار يُعرّض مصير المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لخطر تغيير معالمهما، حيث وفر أرضاً وذريعة لإسرائيل لكي تقوم بممارسة مماثلة لما أقدمت عليه تركيا.
وفى وقت سابق، قال البابا فرانسيس ، بابا الفاتيكان إن "قلبه مع إسطنبول"، وأضاف: "أفكر في سنتا صوفيا والألم يعتصرني".
وحذر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية البطريرك بارثولميو من أن تحويل المبنى إلى مسجد سيثير استياء ملايين المسيحيين ويؤدي إلى الشقاق بين عالمين. ودعا مجلس الكنائس العالمي الذي ضم في عضويته 350 كنيسة إلى إلغاء القرار.
فيما عبرت منظمة اليونيسكو عن أسفها للخطوة، وقالت إنها قد تفاقم التوتر مع اليونان المجاورة التي يعيش فيها ملايين المسيحيين الأرثوذوكس.