سنوات طويلة مرت على تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو من عام 1956، وأنا عادة فى مثل هذه الأمور أحب أن أتحدث من نقطة شعور الإنسان البسيط بالحدث، بعيدا عن حسابات السياسيين أو حتى أصحاب الرؤى والأيديولوجيا.
أتخيل نفسى عاملا فى مصنع أو فلاحا فى حقل، معتادا على الاستماع إلى خطب جمال عبد الناصر أو حتى العلم بما قيل فيها بعد زمن من قولها، وقيل لى إن جمال عبد الناصر قد أمم قناة السويس، وسألت عن معنى التأميم فعرفت أنه "أن تصبح القناة مصرية يديرها المصريون" وسألت لماذا فعل ذلك؟ فقيل لى من أجل العمل على إتمام مشروع السد العالى، وأنه فعل ذلك ردا على أمريكا، وعلى البنك الدولى الذى تعامل معنا باستهانة كبرى؟
عرفت ذلك فما الذى سيحدث لى؟ سيحدث أمر من اثنين، إما أن أصفق الأول ثم أفكر فى القرار، أو أفكر قليلا ثم أصفق للقرار، فى النهاية سوف أعجب بالقرار.. لماذا؟ لأن السياق الثورى الذى كانت تعيشه مصر فى ذلك الوقت كان يقتضى مثل هذه القرارات الصعبة، كانت قناة السويس بالنسبة للمصريين شيء بعيد، وغريب، علاقتهم بها شبه مقطوعة، لا يعرفون عنها سوى كون آباءهم وأجدادهم ذهبوا ليحفروها عن طريق السخرة، وأن الخديوى إسماعيل مارس كل أنواع البزخ والإسراف في حفل افتتاحها، وأنه خيرها ذهب للأغراب وشرها "الديون، والاحتلال" ذهب للمصريين.
نعم سيكون هذا موقفى تماما، فرغم مرور كل هذه السنوات لم أشك يوما في جدوى تأميم قناة السويس، وفى أحقية مصر في فعل ذلك، وأن تعيد النظر إلى مصادرها الإقتصادية وأن تمتلك الشجاعة لفعل ما تراه صوابا.