ما من أديب عربى كان له أثره البالغ فى الثقافة العربية، وكانت له مواقف كبيرة فى القضايا القومية مثل الأديب الراحل الكبير توفيق الحكيم، الذى ملأ الدنيا شرقا وغربا بأدبه، وأثرى المكتبة العربية بكتابات متنوعة ما بين المسرح والرواية والمقال، واستحق بجدارة لقب "أبو المسرح العربى".
وتمر اليوم الذكرى الثالثة والثلاثين على وفاة الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم، الذى غاب عن دنيانا فى 26 يوليو عام 1987، عن عمر ناهز حينها 88 سنة، تاركا إرثا ثقافيا وأدبيا ودراميا كبيرا، لا يزال مخلدا وله صداه الواسع إلى اليوم.
وكان للأديب الراحل علاقة متباينة بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، شهدت احتراما متبادلا بين الرجلين، إلا أنها تحولت للهجوم من جانب الحكيم بعد انتهاء التجربة الناصرية، ووصول الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى سدة الحكم.
وبحسب كتاب "جمال عبد الناصر وجيله" للبروفسور ب.ج. فاتكيوتس، فإن عبد الناصر له تأثر فى شبابه بكتابات العقاد والحكيم، وتنبأ الأخير نفسه بناصر، حيث تبنى فكرة خلود وإحياء مصر على يد بطل تاريخى الذي سيحيي الأمة من رقادها فى كتابه "عودة الروح" الذى صدر عام 1933، وعندما تقلد عبد الناصر رئاسة الجمهورية، قام الأخير بتأليف كتابه "فلسفة الثورة" عام 1954، وأهداه إلى هذين الكاتبين البارزين تقديرا لدورهما وتأثيرهما فى تشكيل أفكاره الوطنية.
وأهدى عبد الناصر إلى توفيق الحكيم وسام الجمهورية، ثانى أعلى وسام فى البلاد، وعندما افتتح محمد حسنين هيكل، أحد المقربين من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، المبنى الجديد للأهرام، خصص جناحا فى الطابق السادس لتوفيق الحكيم.
ويقال إن عبد الناصر نفسه، حاول كتابة رواية مستشهدا برواية توفيق الحكيم "عودة الروح" التى نشرت سنة 1933، واستخدم بطلها "محسن" وبالفعل كتب أجزاء منها، بل ويذهب كتاب "دور جمال عبد الناصر فى السياسة المصرية" أن عبدالناصر قام بتمثيل رواية "عودة الروح" للحكيم، أثناء دراسته فى مدرسة النهضة الثانوية.
ووفقا لما ذكره الكاتب محمد حمدى فى كتابه " قاموس التواريخ. المجلد الثاني: كشاف هجائي بالأحداث والقضايا والأشخاص" أن عبد الناصر منح الحكيم فى عهده، قلادة الجمهورية عام 1958، وكذلك جائزة الدولة التقديرية عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى فى العام نفسه، ولم يذكر أن "ناصر" منع أى عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر "السلطان الحائر بين السيف والقانون"، و"بنك القلق"، حيث كان الحكيم يهاجم النظام الناصرى ويدافع عن الديمقراطية، ووصل الأمر إلى أن عبد الناصر كان يستقبل الحكيم فى أى وقت وبغير تحديد لموعد، وهو ما أكده الحكيم نفسه فى جريدة الأهرام بتاريخ 15 مارس 1965، وبعد وفاة ناصر وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه، وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة، قال فيها: "اعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر، لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك".
لكن توفيق الحكيم تبدل تماما بعد رحيل عبد الناصر، فيذكر الكتاب سالف الذكر، أن الحكيم أصدر كتابه "عودة الوعى" سنة 1972، وهاجم فيه عبد الناصر بعنف، واختزل موقفه من التجربة الناصرية التى بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952، حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفا هذه المرحلة بإنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصرى فاقد الوعى، مرحلة لم تسمح بظهور رأى معلن مخالف لرأى المعبود، وأعلن فى كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة دون وعى!.
الغريب أنه فى فبراير من العام نفسه كتب الحكيم بيده بيان المثقفين المؤيدين لحركة الطلاب، ووقعه معه آنذاك الأديب العالمى نجيب محفوظ، وساءت علاقة الحكيم بعدها مع الرئيس محمد أنور السادات الذى وصفه بأنه "رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة أن رجل رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض فى أواخر عمره، وأشار المؤلف إلى أن محمد حسنين هيكل جمع الحكيم بالسادات ونجح فى إزالة الخلاف بينهما.
وتشير عدد من التقارير أن العلاقة توطدت كثيرا بين الرجلين أثناء الحقبة الساداتية، حتى أن الأخير، حاول ترشيح "توفيق الحكيم" للحصول على جائزة نوبل فى الآداب، فى سبعينيات القرن الماضى.