أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية اليوم الثلاثاء، أحدث إصداراته من سلسلة "رأى فى أزمة" لدراسة تأثير فيروس كوفيد 19 على الصناعات الغذائية بالتركيز على صناعة منتجات الألبان، ضمن دراسة التأثيرات على قطاع الصناعات التحويلية ككل.
وتأتى هذه الدراسة إلحاقا للدراسة الأولى التى سبق إصدارها عن تأثر الصناعات التحويلية ككل بالأزمة الحالية، وتهدف التقارير التفصيلية إلى تحليل أكثر عمقا وفقا لأنواع الصناعات المتنوعة، وصنفت الدراسة الصناعات التحويلية إلى ثلاثة أقسام وفقا لظاهر تأثير الأزمة عليها فى مراحلها الأولى، وهى: صناعات استفادت من الأزمة، وصناعات ابتعدت عن الأضواء، وصناعات تكافح من أجل البقاء.
وتأتى الصناعات الغذائية من ضمن قائمة الصناعات التى صنفها المركز بوصفها صناعات استفادت من الأزمة، وهى مجموعة الصناعات التى شهدت طلبا كبيرا عليها خلال فترة الجائحة على الأقل فى المرحلة الأولى، كما أن الصناعات الغذائية لها أهمية كبيرة، حيث تأتى فى مقدمة الاحتياجات الأساسية للفرد، ويستحوذ بند الإنفاق على الطعام والشراب النسبة لأكبر من إنفاق الأسر المصرية بواقع 37.1% من الإنفاق السنوى للأسرة وفق نتائج مسح الدخل والإنفاق الأخير.
ويشكل قطاع الصناعات الغذائية أكبر مولد لفرص العمل من بين الصناعات التحويلية، حيث يعمل به حوالى 25% من إجمالى المشتغلين فى الصناعة التحويلية، كما تعد الصناعات الغذائية أكبر صناعة من حيث نصيبها فى صافى القيمة المضافة للصناعات التحويلية بنسبة 18%، وتعتبر من الصناعات التى يتوافر لها معظم أجزاء سلسلة القيمة محليا، لأنها تعتمد فى الأساس على النشاط الزراعى وبالتالى تلعب دوراِ هاما فى تطوير القطاع الزراعى سواء تطوير السلالات الزراعية المستخدمة أو تحسين الممارسات الزراعية من خلال توليد الطلب على المنتجات الزراعية عالية الجودة، مما ينعكس فى النهاية على ارتفاع دخول المزارعين والتقليل من مستويات الفقر فى الريف.
ونظرا لتعدد منتجات الصناعات الغذائية فقد ركزت الدراسة على صناعة منتجات الألبان التى تشكل ثانى منتج تصديرى فى الصناعات الغذائية بعد المحضرات من الخضر والفواكه، وتمثل صناعة منتجات الألبان 14% من إجمالى صادرات الصناعات الغذائية عام 2019، ويعمل بهذه الصناعة 7% من إجمالى المشتغلين فى الصناعات الغذائية، وتشكل 9% من القيمة المضافة فى الصناعات الغذائية.
وأشارت الدراسة إلى أن تأثر تلك الصناعة بالأزمات السابقة كان أقل حدة عن باقى الصناعات التحويلية، كما أن تأثرها فى معظم الأوقات كان تأثيرا وقتيا، لافتة إلى أنه وقت أزمة تعويم الجنيه عام 2016 ترتب على ذلك ارتفاع سعر مستلزمات الإنتاج لهذه الصناعة، وانخفاض الطلب نتيجة انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، وهو ما ترتب عليه انخفاض فى حجم المبيعات، وكان متوقعا أن تعود الصناعة إلى معدلاتها الطبيعية بحلول عام 2020.
وأكدت الدراسة أنه بالرغم من الاستفادة الظاهرية لصناعة منتجات الألبان من الأزمة، إلا أن هذه الاستفادة هى فى واقع الأمر استفادة مؤقتة مرتبطة بخوف المواطن، ولم تتحقق لجميع المنشآت وكافة المنتجات، حيث لم تستفد جميع القطاعات الفرعية لصناعة منتجات الألبان، حيث جاءت الاستفادة الأساسية لصالح المنتجات ذات القدرة التخزينية الأعلى، والمنتجات الأساسية فى النمط الغذائى للمواطن، والمنتجات منخفضة السعر. وتضم تلك المجموعة من المنتجات كل من: اللبن المبستر، والزبادى والأجبان الجافة والمطبوخة، فى حين تعرضت منتجات الأجبان الطازجة والأنواع الأوروبية من الأجبان لخسائر خلال فترة الأزمة.
وأظهرت الدراسة أنه لم تستفد جميع أحجام المنشآت من الأزمة، حيث استفادت المنشآت التى تستخدم أساليب التعبئة الآلية، والتى يتوفر لديها الطاقة الإنتاجية لمواجهة الزيادة فى الطلب خلال فترة تفاقم الأزمة.
وقالت الدراسة إنه من غير المتوقع تكرار الاستفادة المؤقتة التى تحققت للصناعة فى حالة ظهور موجة ثانية من كوفيد 19، نتيجة تأقلم المواطنين مع الوضع القائم نتيجة الفيروس، ووجود نوع من الطمأنينة حول أمنهم الغذائى، وفى مقابل ذلك من المتوقع أن يستمر الأثر السلبى المرتبط بانخفاض القوة الشرائية للمواطن فى حالة عدم التعافى أو بطء هذا التعافى، كذلك من المتوقع استمرار التغير فى الأنماط الاستهلاكية للمواطنين.
وأكدت الدراسة على إنه يمكن لصناعة منتجات الألبان الاستفادة بشكل كبير من زيادة الوعى الصحى للمواطن لتحديث خطوط الإنتاج باتباع أساليب التعبئة الآلية وزيادة جودة المنتجات، وهو ما يتطلب الدعم الحكومى لهذه الصناعة ممن خلال تقديم التمويل اللازم، والتغلب على العوائق المؤسسية التى تواجه هذه الصناعة.
وشددت الدراسة على أن السيناريوهات المتوقعة للمرحلة القادمة مرتبطة بشكل مباشر بتطور المرض نفسه، فإذا استمر الاتجاه المنخفض فى الإصابات سيستمر التعافى وعودة مستويات الطلب إلى ما كانت عليه خلال نفس الفترة من العام الماضى، ولكن مع عدم تحقق ما كان متوقعا من قبل مصنعى الألبان من عودة الأرباح إلى مستوياتها قبل التعويم، أما فى حالة ظهور موجة ثانية من الفيروس مع بداية فصل الشتاء، قمن المتوقع تراجع مستويات الطلب إلى المستوى المتحقق فى قمة الأزمة فى مايو الماضى حيث تراجعت المبيعات بنحو 5% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، وسيترتب على ذلك إغلاق بعض المصانع الصغيرة ومتناهية الصغر الغير قادرة على الاستثمار فى تحديث عملياتها الإنتاجية، واتجاه بعض المنشآت إلى تقليل العمالة.
وطالبت الدراسة بعدد من الإجراءات لتخفيف التأثير السلبى على القطاع خلال الأزمة، حيث تعانى المنشآت خاصة الصغيرة منها، من وجود أزمة سيولة نتيجة الانخفاض الشديد فى الطلب، وهو ما يستدعى مراجعة السياسات المتبعة من قبل جهاز تنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لتكون فى أقل التقديرات متماشية مع السياسات التى أقرها البنك المركزى سواء فيما يتعلق بفترة تأجيل سداد القروض أو المصاريف الإدارية المقررة مقابل تأجيل سداد القرض، كما دعت إلى صرف كافة متأخرات دعم الصادرات المستحقة للمصدرين، بالإضافة إلى تصميم برنامج تمويلى لصالح المنشآت الصغيرة العاملة فى صناعة منتجات الألبان لتحديث خطوط الإنتاج وشراء المعدات الخاصة بالتعبئة الآلية بشروط ميسره.
وكشفت الأزمة عن بعض أوجه الضعف المؤسسى بهذا القطاع، حيث أظهر تحليل سلسلة القيمة الخاصة بصناعة منتجات الألبان وجود مجموعة من المشاكل المؤسسية التى تعانى منها الصناعة والتى تعوق نموها وهو ما يتطلب تطبيق مجموعة من الإجراءات المتكاملة الكفيلة بمعالجة تلك المشاكل فى إطار رؤية واضحة لمستقبل القطاع. وتشمل تلك الإجراءات على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1 -ضرورة تنظيم العلاقة بين مزارع الألبان والمصانع للوصول إلى صيغة عادلة لسعر توريد اللبن.
2 -أهمية وضع نموذج مختلف لتطوير مراكز تجميع الألبان "على غرار النموذج الهولندي" وليس مجرد إجراء مجموعة من الإصلاحات الجزئية، وذلك لدورها الهام فى زيادة الاستفادة من الألبان السائلة من خلال تحسين جودتها وملاءمتها للمواصفات المطلوبة لصناعات منتجات الألبان وهو ما ينعكس فى النهاية فى التقليل من التكاليف المرتبطة باستيراد اللبن المجفف.
3 -الحاجة إلى تقديم الدعم الفنى من المؤسسات الحكومية المتخصصة لصغار المزارعين لتحسين جودة الألبان.
4 -دراسة إمكانية التوسع فى صناعة الأعلاف فى مصر بحيث يتم التقليل من الأعلاف المستوردة.
5 -الإسراع فى عملية إصدار وتحديث المواصفات الخاصة بمنتجات الألبان واشتراك صغار المنتجين فى اللجان الخاصة بوضع تلك المواصفات.
6 -ضرورة التفعيل الكامل لهيئة سلامة الغذاء حيث لا تزال بعض الجهات الرقابية مثل الصحة والتموين تعمل بشكل منفرد بالرغم من وجود الهيئة.
7 -أهمية تطوير المعامل الحكومية لزيادة دقة النتائج وضمان عدم تعارضها، والتقليل من الفترة الزمنية للحصول على النتائج.
8 -ضرورة توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة للجهات الحكومية "شاملة الوحدات البيطرية والجهات الرقابية والمعامل" حتى تقوم بمهامها على أكمل وجه.
9 -ضرورة زيادة البحث والتطوير بما يزيد من القيمة المضافة لهذه الصناعة الهامة، ويحقق المزيد من التنوع فى منتجاتها على النحو الموجود فى الأسواق العالمية "مثال: الألبان الخالية من اللاكتوز".
10-زيادة دور التمثيل التجارى فى جذب الفرص التصديرية وخاصة فى القارة الأفريقية.
11- الحاجة إلى تقديم مميزات لشركات التصدير والاستيراد مماثلة لتلك المقدمة للمصنعين نظرا للدور الذى تقوم به هذه الشركات فى خدمة المنشآت الصغيرة التى لا تقوم بالتصدير والاستيراد بشكل مباشر.