صدر قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019 بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، وذلك لكونه يتضمن آثر رجعي يقضي بسريان أحكامه علي وقائع نشأت في ظل قوانين سابقة قبل صدوره خروجا علي قاعدة الأثر الفوري المباشر للقانون، وانحساره عن الوقائع التي حدثت في الماضي.
فقد اتخذت الدولة العديد من الإجراءات القانونية، وأصدرت عدة قوانين وقرارات تنفيذية لمعالجة ظاهرة البناء المخالف، وتم تمديد مهلة التصالح في مخالفات البناء حتى نهاية سبتمبر 2020، وبناء على ذلك تم تصنيف المخالفات الجائز التصالح فيها، وحيث أن الحكومة عازمة على تطبيق الإزالة الوجوبية بكل حزم حتى للوحدات السكنية المشغولة بالسكان.
وتعتبر أحد أهم وأبرز المخالفات التي شهدتها السنوات السابقة والتي كانت تشغل الحيز الأكبر للقضايا داخل المحاكم هي مخالفات البناء، وذلك على الرغم من تعديل العقوبة أكثر من مرة علي المخالف سواء عقوبة الحبس أو الغرامة ورفع الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة في القانون رقم 119 لسنة 2008 "قانون البناء الموحد".
تحديد المقصود بطالب التصالح والملزم بأداء مقابله
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019 بشأن مخالفات البناء، وذلك بعد أن وجد المشرع أن المخالفات في تزايد مستمر وأن العقوبة لا تحقق رادع بسبب عدم توافر أماكن للسكن واضطرار المواطن إلي البناء علي الأراضي الزراعية، ودون الحصول علي التراخيص، مما دعا المشرع إلي إقرار قانون التصالح مع المخالف مقابل دفع رسوم والمحافظة علي البناء من قرارات الإزالة، ولقد أثار هذا القانون ولا يزال العديد من التساؤلات لعل أهمها تحديد المقصود بطالب التصالح والملزم بأداء مقابله؟ أو الجزاءات المترتبة علي عدم تقديم طلب التصالح خلال المدة المحددة أو رفضه أو عدم السداد في ضوء المادتين السادسة والسابعة؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
فى البداية - يجب أن نعلم أن المادة الأولي من القانون التصالح أجازت في الأعمال التي ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء بغض النظر عن نوع المخالفة مع حظر التصالح في أعمال بعينها حددها حصريا منها الأعمال التي تخل بالسلامة الإنشائية للبناء والتعدي على خطوط التنظيم وتجــاوز قيـود الارتفاع والبناء على الأراضي المملوكة للدولة والأثرية ونهر النيل، وحددت المادة الثالثة الجهة المنوط بها تلقي طلبات التصالح، ووضع مدة زمنية لتقديم الطلب مع إلزام تلك الجهة بإعطاء مقدم طلب التصالح شهادة، بما يفيد تقديم الطلب ورتب القانون على تقديم هذه الشهادة إلى المحكمة أو الجهات المختصة بحسب الأحوال وقف نظر الدعاوى المتعلقة بالمخالفة ووقف تنفيذ الأحكام والقرارات والإجراءات الصادرة بشأن الأعمال المخالفة محل هذا الطلب لحين البت فيه – وفقا لـ"فاروق".
الآثار المترتبة على قبول التصالح مع صاحب البناء المخالف
ونصت المادة "6" علي أن يصدر المحافظ أو رئيس الهيئة المختص، بحسب الأحوال، قرار بقبول التصالح بعد موافقة اللجنة على الطلب وسداد قيمة مقابل التصالح، ويترتب على صدور القرار انقضاء الدعاوى المتعلقة بموضوع المخالفة، وإلغاء ما يتعلق بها من قرارات وحفظ التحقيقات بشأن هذه المخالفات إذا لم يكن قد تم التصرف فيها، ويعتبر هذا القرار بمثابة ترخيص للأعمال المخالفة محل هذا الطلب ومنتجًا لآثاره، ويترتب على الموافقة على طلب التصالح فى حالة صدور حكم بات فى موضوع المخالفة وقف تنفيذ العقوبة المقضى بها، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل التصالح أثناء تنفيذها – الكلام لـ"فاروق".
ما هى الآثار المترتبة على عدم قبول التصالح؟
ثم أوضحت المادة "6" ذاتها أنه في حالة رفض اللجنة طلب التصالح على المخالفة أو عدم سداد قيمة مقابل التصالح خلال 60 يومًا من تاريخ موافقة اللجنة، يصدر المحافظ أو رئيس الهيئة المختصة، بحسب الأحوال، قرارًا بالرفض وباستكمال الإجراءات التنفيذية اللازمة، أو بتصحيح الأعمال المخالفة وفق أحكام قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، ويستأنف نظر الدعاوى والتحقيقات الموقوفة وتنفيذ الأحكام والقرارات والإجراءات الصادرة بشأن الأعمال المخالفة، وإضافة الـمادة السابعة أنه على الجهة الإدارية المختصة أن تخطر الجهات القائمة على شئون المرافق "الكهرباء، والغاز، والمياه، والصرف الصحي"، بالقرار الصادر بقبول التصالح أو برفضه خلال 15 يومًا التالية لصدوره، لاتخاذ ما يلزم بشأنها، ثم خولت المادة التاسعة لمن رُفض طلبه للتصالح التظلم من قرار الرفض خلال 30 يوماً من تاريخ إخطاره به، وعلى اللجنة أن تبت فـى التظلم خلال 90 يوما، من تاريخ تقديم الطلب، ويعتبر انقضاء تلك المدة دون البت فى الطلب، أن التظلم مقبول.
من المنوط به تقديم طلب التصالح هل مالك الشقة أو شاغل الوحدة أم صاحب العقار؟
وظاهر نصوص القانون أن المشرع لم يحدد الشخص المنوط بهتقديم طلب التصالح، وهل هو مالك العقار أم المحرر باسمه محضر مخالفة البناء أم شاغل الوحدة، ولكن يستفاد ضمننا من بعض نصوصه أن المقصود الشخص المحرر باسمه محضر مخالفة البناء ابتداء، إذ رتبت المادة "3" أثر علي تقديم طلب التصالح والحصول على شهادة بذلك، وهذا الأثر هو وقف الإجراءات، ورتب القانون على تقديم هذه الشهادة إلى المحكمة أو الجهات المختصة بحسب الأحوال وقف نظر الدعاوى المتعلقة بالمخالفة، ووقف تنفيذ الأحكام والقرارات والإجراءات الصادرة بشأن الأعمال المخالفة محل هذا الطلب لحين البت فيه، ولا شك أن من يقدم تلك الشهادة إلي المحكمة هو المخالف الذي حرر ضده محضر المخالفة أو الامتناع عن تنفيذ قرارات الإزالة أو التصحيح.
هل يجوز التصالح بعد صدور حكم بات؟
وأيضا فإن المادة "6" من القانون رتبت علي قبول التصالح، وسداد قيمة مقابل التصالح انقضاء الدعاوى المتعلقة بموضوع المخالفة، وإلغاء ما يتعلق بها من قرارات وحفظ التحقيقات بشأن هذه المخالفات وعند صدور حكم بات فى موضوع المخالفة بالإدانة، ثم حصول التصالح وقف تنفيذ العقوبة المقضى بها، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل التصالح أثناء تنفيذها، مما يؤكد أن المقصود والمخاطب بأحكام القانون هو من حرر محضر المخالفة ضده ويتم وقف تنفيذ العقوبة والإفراج عنه، وكذلك عند رفض التصالح فقد نصت المادة "6" علي أن تستأنف نظر الدعاوي والتحقيقات الموقوفة وتنفيذ الأحكام والقرارات والإجراءات الصادرة بشأن الأعمال المخالفة.
ومما يؤكد هذا النظر ويعززه أن التصالح معناه تنازل المجتمع عن حقه في عقاب المتهم مادام قد دفع للمجتمع مبلغ مقابل من جنته يده من جريمة، أو بالأحري مخالفة لأنه بذلك يكون قد سدد جزاء جرمه، فعفي عنه المجتمع وهذا ما أكدته المواد 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية التي هي دستور التصالح فالتصالح لا يكون إلا بالنسبة لمرتكب المخالفة أو الجريمة أما غيره، فلا يخاطب بالتصالح أصلا وإذا كانت عبارة القانون غامضة، فيجب تلمس قصد المشرع في ضوء القواعد العامة في الإجراءات الجنائية.
سيناريوهات التصالح أثناء نظر الدعوى وبعد الفصل فيها
وأما فيما يتعلق بالجزاءات علي عدم تقديم طلبات التصالح أو رفضها أو عدم سداد مقابل التصالح فهو السير في إجراءات المخالفة وإخطار الجهات القائمة على شئون المرافق "الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي"، لاتخاذ ما تراه بشأنها، أي أن القانون لم يرتب ثمة عقوبة جنائية جديدة توقع علي عدم تقديم طلب التصالح أو رفضه أو عدم سداد مقابل التصالح وإنما فحسب احياء المخالفة، وذلك بالنسبة للمخالف.
ويترتب علي ما تقدم - أنه متي تم التصالح أثناء نظر الدعوي المحررة ضد المخالف انقضت بالتصالح، وإذا صدر حكم بات في موضوع المخالفة من القضاء الجنائي، وتم التصالح أوقف تنفيذ العقوبة باعتبار أن قانون التصالح أصلح للمتهم، أما إذا كان قد صدر حكم بات في موضوع المخالفة بغير الإدانة قبل صدور قانون التصالح انحصر تطبيق أحكام قانون التصالح، إذ تكون المخالفة قد انقضت بالحكم البات فلا مجال لانقضائها مرة أخري بالتصالح أو بعث إجراءات المخالفة والسير فيها من جديد عملا بالمادة 454 إجراءات جنائية علي اعتبار أن الحكم البات هو الطريق الطبيعي لانقضاء الدعوي، أما التصالح فسبب عارض للانقضاء لا يلجأ إليه إلا في حالة عدم انقضاء الدعوي الجنائية بالحكم البات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة