محمد ثروت

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ..قدوة الإصلاحيين

الأربعاء، 29 يوليو 2020 11:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في يوم الثامن من ذي الحجة المسمى بـ"يوم التروية"، الذي يحرم فيه الحجاج إلى مشعر منى والمبيت استعدادا لصعود جبل عرفة، نتذكر قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام(ت 1900 ق. م.) قدوة دعاة الإصلاح، و أيقونة الصبر والتضحيات العظام، الذي اتفق عليه أهل الأديان جميعا وإليه تنتسب الديانات الكتابية أو الإبراهيمية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. قال تعالى في القرآن الكريم: "وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ". (الصافات:108-111)
 
 وقد ذكر الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن" لتلك الآيات "أمَنَة من الله في الأرض لإبراهيم ألا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر". فهو في الكتاب المقدس أبرام الأب المكرم/ الجليل. ويذكر يوميا في صلاة المسلمين إلى جانب النبي محمد. 
 
فما الذي أوصل خليل الله إبراهيم لتلك المكانة العظيمة، حتى أن الله أمر بأن يتخذ المؤمنين من مقام إبراهيم مصلى؟ إنه سلاح الصبر الطويل على الصعاب والتحديات الجسيمة التي لا يحتملها بشر، مهما بلغت قوة تحمله وقدرته على مواجهة الأمور والمشكلات. فقد صبر إبراهيم على أذى أبيه "آزر" الذي كان ينتحت ويبيع الأصنام في أرض بابل بالعراق بغرض العبادة، واستعمل معه أسلوب الحوار بالعقل واللين و الرفق والمناشدة والترقب و الجاذبية وعدم اتهامه بالجهل، في حواره مع أبيه "اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا".
 
(مريم:41-47) وصبر إبراهيم على أذى قومه حين رموه في النار، بعد احتجاجه العلني الجرىء على عبادة الأصنام التي عبدوها من منطق غريب بعيد عن العقلانية، وهو تقليد الآباء والأجداد، ودعوته للتوحيد، وقيامه كشاب بتحطيم الأصنام، ليس لمجرد الرغبة في تحطيمها ولكن لإثبات الحجة والدليل العقلي عليهم، وأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها، فكيف تلهم الآخرين وتمنحهم القوة الروحية المزعومة؟     
 
لم ترتبط تلك التضحيات العظيمة التي قدمها إبراهيم عليه السلام بسن الشباب فقط، بل استمرت معه حين صار شيخا عجوزا طاعنا في السن،  يهاجر من مكان إلى آخر في سبيل الدعوة للتوحيد، في بيئات تعبد الكواكب والأصنام والبشر أيضا. متنقلا من العراق إلى بلاد الشام ومصر ثم أرض الحجاز،  ويذهب إلى صحراء جرداء قاحلة مع زوجته الثانية هاجر المصرية وولده إسماعيل رمز الصبر، ليبني فيها بيت الله الحرام،  ويتفجر فيها الماء"زمزم" رمز الخير والنماء. 
 
 إن قمة التضحية العظيمة والفداء فهي حين رأى في المنام أنه يذبح ولده، فيستسلم لهذا الأمر، وهو خاص حصريا عليه لا يمتد إلى غيره، فالله أراد ابتلاءه واختباره، ولم يأمر أبدا بقتل الناس لأولادهم، "ولا تقتلوا أولادكم"، ولكن  الدرس العظيم أن الأب الذي يتألم لمجرد مرض بسيط يصيب ابنه، يتوجه لذبحه تنفيذا لأوامر الله، وهو لم يفاجىء ابنه بها الأمر، بل مهد له في أسلوب تربوي حكيم، قال تعالى: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ". (الصافات:102) وعندما شرع إبراهيم في تنفيذ الأمر الإلهي فدى الله ولده بذبح عظيم، قيل كبش في معظم الروايات، وهى الأضحية التي ظلت ليومنا هذا. ليس هذا فحسب- بل بشره الله بولد ثان هو نبي الله إسحق ابن زوجته الأولى سارة ومن بعده حفيده يعقوب وذرية من الأنبياء. بينما جاء محمد (ﷺ) من ذرية إسماعيل عليه السلام. 
 
 هذه دلالات كبيرة للمصلحين الذين ييأسون في بداية الطريق إذا رأوا هجوما أو انتقادا لدعوتهم الإصلاحية، وقلة عدد المؤمنين برسالتهم، فعليهم أن يستلهموا من قصة إبراهيم عليه السلام القدوة والمثل، في استعمال العقل ولغة الحوار والمناظرة و التدرج في الدعوة والصبر العظيم على الاختبار والبلاء والتضحية بكل غال أو ثمين مهما كان. وعند الله الجزاء الأوفى والأجر العظيم.. وسَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيم.
......






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة