الصناعة هى القضية التى تحظى باتفاق عام بين التيارات والاتجاهات السياسية والاقتصادية، باعتبار أنها النشاط الذى يضيف قيمة مضافة ويضاعف من الربح ويوفر فرص عمل حقيقية، خاصة إذا اعتمدت الخطط على الصناعات التى يمكن أن تنافس عالميا وتحظى فيها مصر بشروط تنافسية. ولا توجد دولة يمكنها أن تدخل فى كل مجالات الصناعة، حيث يستسهل البعض أحيانا الحديث فى أن تتوجه الصناعة إلى أنشطة مثل السيارات أو التكنولوجيا، وهى صناعات استقرت فى دول أخرى.
بينما تمتلك مصر ميزات تنافسية فى صناعات الغزل والنسيج والملابس لجاهزة والمنتجات الغذائية والزراعية، وصناعات الأثاث، أما الأنشطة الأخرى يمكن أن تكون الصناعة فيها تشاركية مع دول أخرى وهو ما تتيحه اتفاقيات التجارة، خاصة أن مثل هذه الصناعات ربما لا تحظى بميزات تنافسية.
نقول هذا بمناسبة افتتاح 6 مصانع للنسيج فى الروبيكى، وهى منطقة صناعية قامت فى مجال الجلود بالأساس وهى صناعة بالرغم من توفر خاماتها والأيدى العاملة المدربة إلا أنها بقيت طوال عقود فى إطار الدباغة وإنتاج الجلود الخام من دون أن تصل إلى التنافسية، مؤخرا بدأت تظهر آفاق لتطوير وتحديث هذه الصناعة لتكون قادرة على المنافسة وتحقيق الجودة. وقد واجهت صناعة النسيج خلال العقود الأخيرة عوامل كثيرة أدت لتدهورها وخروجها من المنافسة، بالرغم من توفر كل عناصر النجاح، والرهان على المصانع الحديثة، وأيضا على تحديث القائمة فى المحلة وغيرها.
خلال السنوات الأخيرة حظيت الصناعة باهتمام كبير سواء فى إحياء مصانع فقدت تفوقها وتدهورت بالرغم من أنها كانت تلعب دورا فى توفير الإنتاج للسوق المحلى، وأيضا للتصدير ونقصد شركات مثل قها وإدفينا وشركات المنتجات الغذائية والتى يمكن بعد تحديثها أن تمثل قاعدة صناعة مطلوبة للتصدير خاصة مع توافر الخامات الزراعية، نفس الأمر يمكن أن ينطبق على صناعات البتر وكيماويات.
الظاهر أيضا أن أغلب الصناعات التى تم تحديثها فقدت قوتها فى السابق بسبب التوقف عن التحديث فى ظل تقدم تكنولوجى وتقنى يتيح تطوير المنتج بشكل يجعلها قابلة للتصدير والمنافسة فى الجودة والسعر بين منتجات مماثلة.
الظاهر أيضا فى تحرك الدولة نحو التصنيع هو توزيع المناطق الصناعية بحيث تتوزع على المحافظات بالوجهين البحرى والقبلى بعد عقود تركزت فيها الأنشطة فى العاصمة والمدن الجديدة بينما أهملت الأقاليم، وهذه الخطوات ما كانت تنجح من دون توفير شبكات طرق توفر وتسهل نقل الخامات والمنتجات إلى السوق المحلى، وأيضا باتجاه الموانئ للتصدير، شبكة الطرق الإقليمية الكبرى توفر هذه القواعد لتطوير الصناعة وتكشف بعد نظر الدولة فيما يتعلق بالاستثمار فى شبكات الطرق والنقل.
يبقى أيضا المفاضلة بين الدولة والقطاع الخاص، حيث الظاهر حتى الآن أن الدولة هى الطرف الذى يتشجع فى الإنفاق على تطوير الصناعات الكبرى، بينما يبقى القطاع الخاص بعيدا، بحجة عدم توفير الفرص بينما تجارب القطاع الخاص طوال عقود، أنه يفضل الأنشطة السهلة والتى لا تحتاج إلى استثمارات ضخمة، وإذا كان من الطبيعى ألا يفكر الخاص فى الطرق أو البنية الأساسية والمرافق، أو يسعى للعمل على تأسيس صناعات استراتيجية تحتاج إلى رأسمال ضخم قد لا يفضل القطاع الخاص توفيره، وأغلب الاستثمارات الخاصة تتوجه إلى الاستثمار العقارى الفاخر والذى يحقق أرباحا ضخمة وسريعة من خلال عمليات تسويق ودعاية، بينما الصناعة تترك وفى عدد محدود من الأسماء التجارية، وهو ما يفترض أن يستدعى التفكير فى أهمية جذب الاستثمار إلى الصناعة من خلال خطط تقوم على التوزيع الجغرافى والفرص المتاحة والتى تختلف من مجتمع زراعى إلى التعدين أو الصحراء.
الصناعة هى القضية الأهم فى بناء اقتصاد قوى، ولدينا أنشطة يمكن أن ننافس فيها، مثل الغزل والنسيج والملابس والصناعات الغذائية، أما الصناعة التى تستدعى اهتماما أكبر فهى صناعة الدواء وهذا موضوع سوف نطرحه.