1 - كانت أمى رحمها الله تقول: الموت راحة، وكانت تقول لى حين أدعو لها بالصحة و«طولة العمر» تقول لى: «ادع لى بالصحة، لكن طولة العمر لأ».
2 - نتلقى يوميا أخبار الموت تأتى من كل اتجاه وتساهم وسائط التواصل الرقمى فى أن نعرف أخبار الموت بسرعة استثنائية.
3 - لى مع معضلة الموت قصة، فقد توفى أبى وأنا صغير، ولا أتذكر أننى بكيت آنذاك، فقد تقبلت وفاته بصدر رحب للغاية، وكان بكاء أقاربنا يبعث فى نفسى الكثير من الاستغراب، لقد عشنا جميعا فصولا مؤلمة لرجل ينهش المرض الخبيث فى جسده، يعانى ونعانى معه، وها هو ارتاح، فلماذا نبكى على راحته؟ لقد فاز بجائزة الراحة الأبدية، هذا ما كنت أقوله لنفسى.
4 - لم أستسلم للحزن، وأقنعت نفسى بأن ما حدث من مرض ثم وفاة خير، ليس فقط بمنطق ألبير كامو «أنك إن أصابك الموت هذا الصيف، فلن يزورك الصيف المقبل»، وإنما بأنه خير له عوائد كثيرة، فاخترعت قصة كحيلة من حيل المغلوب على أمره لمواجهة الواقع المؤلم، وكبرت القصة معى حتى صدقتها، وأصبحت أكررها على نفسى من آن لآخر.
5 - إنها ببساطة قصة التحرر، تحرر الروح من الجسد، الروح تريد أن تنطلق إلى آفاق أرحب وأوسع بعد أن تتخلص من الجسد وما يمثله من محدودية وشهوانية، وكى تتحرر، فالروح تستعين بخالقها كى يدمر هذا الجسد المسجونة فيه، ويستجيب الخالق سبحانه فى توقيت يراه هو كى تتحرر الروح بعد أن يكون الجسد قد أدى دوره فى التدافع على الأرض.
6 - ولمحدودية أفقنا نعتقد أن هذا التحرر مصيبة، وهو وصف استخدمه القرآن الكريم كإقرار لمشاعر البشر التلقائية «مصيبة الموت».
7 - ولكن أعتقد أن هذا المعنى الدنيوى للموت كمصيبة، هو جزء من خوف الإنسان مما يجهل، قطعًا لا يتذكر أى منا مشاعره قبل أن يولد أو بعد الولادة مباشرة، لكننا نخرج عادة من أرحام أمهاتنا فى حالة بكاء، لأن السكون والدعة والهدوء والسكينة التى كنا نعيش فيها انتهت وسيحل محلها المجهول، ثم يتحول المجهول إلى معلوم ملىء بالكَبَد (لقد خلقنا الإنسان فى كَبَد) والضعف (وخُلق الإنسان ضعيفا).
8 - سألتنى ابنتى عن عمرى حين مات والدى فقلت لها 13 سنة، وقد كان ذلك عمرها آنذاك، فبكت وبكى ابنى (الذى هو أصغر منها)، فقال لى وكأنه يستعطفنى: «اوعدنى أن تعيش أطول فترة ممكنة»، فوعدته حتى يتوقف عن البكاء، ولكننى بدأت أعلمه خيرية الموت كنوع من «تحرر» الروح من الجسد، ولكنه لم يقتنع، على الأقل مؤقتا.
9 - قال الإمام جعفر الصادق: من بحث عما لم يخلق، أتعب نفسه ولم يرزق. قالوا له: وما الذى لم يخلق يا إمام؟ قال: الراحة فى الدنيا. وتلا قول الله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد» صدق الله العظيم.
10 - يا أهلا بالراحة، يا أهلا بالموت.
هذا ما أمكن إيراده، وتيسر إعداده، وقدر الله لى قوله.
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد عمر
تحياتي
لك يا دكتور على هذا الكلام الجميل وأود فقط أن أضيف أن الموت يكون راحة لكن من هداه الله إلى الصراط المستقيم ويكون تعبًا لمن لم يوفقه الله في هذه الدنيا، فاللهم اهدنا واهد بنا
عدد الردود 0
بواسطة:
رؤي ياسر
رائعة
مقاله اكثر من رائعة ، اوجزت فاابدعت ❤️