آلمتنا جميعا مشاهد تفجيرات ميناء بيروت وما خلفته من آثار مدمرة على كافة المرافق بالعاصمة بيروت، لا شك أن لبنان دولة عربية عزيزة على قلب كل عربى، وهى دولة كبيرة بما لها من إسهامات بارزة فى حياتنا الثقافية والعربية، وقد أنجبت لبنان عددا وافرا من نوابغ ورموز الفكر والثقافة الذين أثروا الساحة الثقافية بشكل كبير، فلبنان جزء لا يتجزأ من وجدان كل عربى، لذلك تألمنا كثيرا من المشاهد التى تعيد إلى الأذهان صور الدمار والحرب الطائفية التى عانت منها لبنان الحبيبة طيلة العقود الماضية، وكلنا أمل ورجاء فى الله تعالى أن يرفع عن الشعب اللبنانى الشقيق ما خلفته هذه التفجيرات من دمار وآلام، والله المرجو أن يخرج الشعب اللبنانى من هذه المحنة أشد وأقوى كما عودنا دائما، وعلى جميع الدول والشعوب وبخاصة الدول العربية أن تقف مع الشعب اللبنانى بكل قوتها بكل أوجه الدعم المادى والمعنوى، حتى تستعيد لبنان عافيتها وتنهض من كبوتها وتواصل مسيرتها.
ومهما كانت أسباب هذه الكارثة فإن أشد ما يقلق المتابعين والمحللين للشأن اللبنانى فى هذه الكارثة هو ضعف بنية التماسك الوطنى والمجتمعى بين الطوائف الدينية والسياسية التى مارست عقودا من التقاتل والتناحر الطائفى والسياسى داخل المجتمع اللبنانى مما أنهك القوى اللبنانية واستهلك مواردها وثرواتها جراء هذا التناحر، ولا شك أن الشعب اللبنانى الشقيق- وبخاصة فى هذه المرحلة العصيبة- بحاجة ماسة إلى جمع شتاته وصهر أطيافه داخل بوتقة وطن بأشد الحاجة إلى جهود وتعاون جميع أبنائه، وعلى الرغم مما نراه ونلحظه من حب شديد قوى من أفراد الشعب اللبنانى لوطنه العزيز على قلبه وعلى قلب كل عربى إلا أن رؤوس الطائفية المذهبية يأبون دوما إلا أن تستمر وترتفع وتيرة النزاع الطائفى ويبقى لبنان ممزقا بين النزاعات المذهبية والطائفية مرهونا لدى صراعات القوى الإقليمية التى تحرك وتستثمر هذه الجماعات والأحزاب الطائفية لصالح مصالحها الشخصية، وعلى كل حال فإنه من الواضح جدا أن لبنان وبسبب الممارسات والنزاعات الطائفية قد أنهك فعليا ولم يعد قادرا على مواجهة أية تحديات أو كوارث من هذا النوع، وهذا ما تفعله الطائفية البغيضة بأى وطن مهما كانت قوته.
فنذير الخطر الذى أطلقته هذه التفجيرات يدفعنا جميعا إلى ضرورة التحذير من الطائفية التى تريد أن تجرنا إليها الجماعات الإرهابية التى تصنف الناس كأعداء يستحقون القتل والسحق على أساس معتقدهم فقط، فيكفى فى نظر الجماعات الإرهابية أن يكون الإنسان عدوك بمجرد المخالفة فى الدين حتى لو كان جارك الملاصق لك، وكلنا يتذكر فترة السبعينيات وما بعدها فى مصر حيث كادت أن تجرنا جماعة الإخوان وفروعها القطبية والسلفية والجهاد والتكفير التى اجتمعت تحت عنوان (الجماعة الإسلامية) إلى مستنقع الحرب الطائفية القبيحة التى كادت أن تدمر مصر وأن تفتت بنيتها الوطنية، وكلنا يتذكر كيف كان خطباء هذه التيارات بأصواتهم البغيضة القبيحة يشعلون المساجد بالخطب النارية التى تدعو للاقتتال والطائفية، وكلنا يتذكر ما كانت تحدثه هذه الخطب النارية من اقتتال وفتن بين قطبى الوطن الواحد، وكلنا يتذكر وبألم شديد حرب الاستقطاب والاستقطاب المضاد بين المتطرفين من الجانبين.
لقد عايش الشعب المصرى حوادث كارثية بسبب هذا الخطاب المتطرف منذ أحداث الزاوية الحمراء فى السبعينيات إلى صبيحة فض رابعة والذى تمثل فى حرق عشرات الكنائس كعقاب جماعى للشعب المصرى كله لرفضه مشروع التطرف الإخوانى الطائفى بالعمل على إشعال فتنة طائفية شاملة تأكل الأخضر واليابس، لكن الله تعالى سلم وثبت الشعب المصرى بعنصرية على المبادئ والثوابت والقيم الوطنية التى دعت إليها كافة الأديان وبخاصة الإسلام والمسيحية، ولولا تصدى مصر الحاسم القوى لهذا المخطط الشيطانى الطائفى الإجرامى الخطير بحكمة قيادتها السياسية وأصالة شعبها المتحضر الذى لفظ بإصرار هذا المشروع الطائفى البغيض، وأيضا لولا وعى وبصيرة وحكمة علماء الأزهر الشريف ورجال الكنيسة المصرية لأنهكت هذه الطائفية البغيضة وطننا الغالى مصر حتى أوقفت مسيرتها وعطلت نهضتها وقسمت شعبها إلى طوائف متناحرة، وكلنا يرى بوضوح ذلك الجهد الكبير الذى بذله الرئيس عبدالفتاح السيسى من أجل العمل على تقوية أواصر ووشائج الوحدة الوطنية بين قطبى الشعب المصرى، والعمل أيضا على ترميم ما صدعته هذه الجماعات من وحدة تمثل قوة مصر الحقيقية، فقد أكد الرئيس كثيرا أن مصر وطن للجميع بلا استثناء تتساوى فيه الحقوق والواجبات بمجرد الاستحقاق الوطنى، بغض النظر عن المعتقد والدين، مع التأكيد الدائم من فخامة الرئيس على الاحترام الكامل للخصوصية الدينية لجميع المصريين، والتأكيد على صيانة حرياتهم الدينية فى ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة بما يحقق الحرية والعدالة للجميع
لقد أكد الرئيس السيسى هذا المبدأ بطريقة عملية حينما وجه ببناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة متجاورين بالعاصمة الإدارية الجديدة كرمز لإصرار مصر على تجاوز الطائفية والانتصار عليها، وهذا ما يجب على جميع الدول وبخاصة لبنان الشقيق الحبيب أن تنتهجه، فلابد للشعوب أن تنصهر فى بوتقة الأوطان لحمايتها والمحافظة عليها ولن يتحقق للأوطان نهضة ولا تقدم ولا سلام دينى وعقدى إلا بتقوية اللحمة الوطنية والبعد عن الانتحار الطائفى، حفظ الله لبنان الشقيق ومصر وسائر دول العالم من شر الطائفية البغيضة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة