1 - سأبدأ بحكاية شخص كان يقود سيارة فى جو ممطر دون مسّاحات فى شارع ملىء بالمطبات وفجأة وجد أمامه سيارة نورها عال ودراجة بخارية تحمل فوقها الكثير من البضائع يقودها شخص يتمايل بشىء من الرعونة وأنوار الشارع منطفئة وهناك فرح بلدى أقرب إلى الهرجلة تخرج منه أصوات طلقات النار وفجأة يخرج شخص مسرعاً من وسط الفرح فيحاول قائد السيارة أن يفاديه فيرتطم بطفل كان يجلس على سيارة مركونة فى غير المكان المخصص لركن السيارات. يموت الطفل. يتوقف الفرح. يتجمع الناس لمعاقبة المسؤول عن الطفل الذى مات.
2 - يتداخل كل هؤلاء فى معركة كلامية، ويحكى كل واحد منهم الحكاية على النحو الذى يبرئه، لكن الطفل مات.
3 - الجو ممطر بما يستدعى الحذر، ولكننا غير حذرين، قائد السيارة التى تسير بلا مسّاحات، يقول مبرراً موقفه: كم من سيارات فى مصر تسير بلا مسّاحات ثم إن الشارع ملىء بالمطبات، لماذا لم تقم الحكومة بتسويتها؟ لكن الطفل مات.
4 - ثم ينظر السائق المتهم إلى سائق السيارة التى كانت فى المواجهة ذات النور العالى ليلومه على ما فعل، فيرد عليه هذا الأخير بأنه لم يكن يرى شيئاً لأن الشارع بلا أنوار، لماذا لم تقم شركة الكهرباء بإنارة الطريق؟ يسأل الرجل موضحاً موقفه. لكن الطفل مات.
5 - ويتدخل قائد الدراجة البخارية المحملة بالكثير من الأشياء بأنه لا ذنب له، لأنه لم يكن يتمايل بقرار منه وإنما معه حمولة ثقيلة حمّله إياها صاحب المصنع الذى يعمل به وكان يحاول أن يتفادى شخصاً وجده يجرى مسرعاً من الفرح نحو السيارة التى كان يقف عليها الطفل. لكن الطفل مات.
6 - ويتبين أن الرجل الذى كان يجرى مسرعاً من الفرح كان والد الطفل، وقد تركه على ظهر السيارة حتى يذهب بسرعة ليقول «مبروك» للحاج عبدالسميع والد العروس، ولما انطلقت أصوات البنادق احتفاءً بالعرس الميمون، فزع الطفل وكاد يقع من على ظهر السيارة، فأراد أبوه أن ينقذه. لكن الطفل مات.
7 - ثم يأتى من بعيد صوت أحد عمال الكهرباء ليقول إنه لا ذنب لشركة الكهرباء لأن القائمين على الفرح كانوا يسرقون الكهرباء من عمود النور فعملوا «قفلة» فأعمدة الإنارة توقفت عن العمل، وحين لامهم أعطوه الذى فيه النصيب حتى يسكت. لكن الطفل مات.
8 - تخيلوا معى أن الطفل هو ثورتنا أو بلدنا. من المسؤول عن ضياعها؟ من المسؤول عن الخراب الذى حل بالبلاد؟ من المسؤول عن بقاء المجلس العسكرى فى السلطة أطول مما يجب؟ من المسؤول عن أننا لم نحترم إرادة الناخبين فى استفتاء مارس 2011؟ من المسؤول عن ضياع فرصة أن يكون دستور 1971 بتعديلاته هو دستور المرحلة الانتقالية؟ من المسؤول عن ألا يمثل الثوار فى البرلمان ثم عن حل البرلمان؟ من الذى رفض أن يكون دستورنا هذا مؤقتاً لعشر سنوات فقط أو أقل لأننا سنعدله حتما فى المستقبل القريب؟ من المسؤول عن ضياع التوافق؟ من المسؤول عن اختطاف البلاد؟ من المسؤول عن الأرواح التى أزهقت؟ من المسؤول عن خسائر الاقتصاد وخسائر الأخلاق؟ من المسئول عن الطفل الذى مات؟
9 - ويُفاجأ الجميع بأن طبيباً ظهر من وسط الحضور، واكتشف أن الطفل لم يزل على قيد الحياة. أمامه فرصة واحدة للحياة. وهى أن نعجل بالتبرع له بالدماء. الكل نسى فجأة التلاوم والعتاب. والكل قرر أن يفعل ما هو صواب لإنقاذ الطفل الذى ظن أنه مات. الفرصة لم تزل بالباب، شريطة أن نفكر فيما هو آت.
10 - كلام قديم من ديسمبر 2014.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة