أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية اليوم، تقريرا جديدا بعنوان: "المرأة كمحرك أساسى للتعافى الاقتصادى"، ضمن سلسلة تقارير "رأى في أزمة"، بهدف دراسة أثر جائحة كوفيد 19 على المرأة في سوق العمل المصرى، وكيف أن هذه الجائحة برغم تداعياتها السلبية الشديدة على كافة الأنشطة الاقتصادية، يمكن أن تمثل فرصة حقيقية يجب اغتنامها للتركيز على إتاحة كافة الآليات من سياسات وإجراءات لتمكين المرأة من القيام بدورها كمحرك أساسى للتعافى الاقتصادى عموما، وللخروج من الأزمة الحالية بشكل خاص.
وأشار التقرير إلى أنه رغم كون المرأة تمثل نصف المجتمع من حيث التركيبة الديموغرافية، إلا أن مشاركتها في سوق العمل لا تتعدى 24 %من قوة العمل، وهو ما يعد إهدارا لمورد بشري هام قادر على المساهمة الحقيقية في تحقيق النمو المرجو للاقتصاد المصري، لافتا إلى أن المرأة تعانى من عدم تكافؤ الفرص في العديد من المجالات بالرغم من العائد الكبير المتوقع تحقيقه في حالة زيادة مشاركتها في سوق العمل، حيث يتوقع تقرير أصدره معهد ماكينزى، ارتفاع الناتج المحلى الإجمالى الإقليمى بنسبة 47% خلال العقد المقبل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفى مصر بنسبة 34% في حال تساوت أعداد الرجال مع النساء في سوق العمل.
ورصد التقرير ديناميكية سوق عمل الإناث في مصر، والتطورات التي شهده عبر عقود سابقة، موضحا أهم خصائص هذا السوق والتي تتمثل في ضعف مشاركة الإناث في سوق العمل مقارنة بالذكور، وتفضيل الإناث للعمل الحكومى في مقابل القطاع الخاص، ووجود فارق في الأجور بين الجنسين في عدد من الأنشطة الاقتصادية والمهن، كما أن "الحاجة" هى أكثر الدوافع للجوء الإناث لخيار العمل الحر، وتعمل نصف قوة العمل من الإناث فى وظائف مدفوعة الأجر.
ومن أهم الخصائص التي أشار إليها التقرير أيضا، هي أن قطاعات التعليم والملابس الجاهزة والصحة وأنشطة العمل الاجتماعى والاتصالات والمعلومات والزراعة والتجزئة والغذاء والإقامة، هي الأكثر توظيفا للإناث وجذبها لها، ويظهر أيضا أن النسبة الأكبر من المتعطلات بين الحاصلات على تعليم متوسط فنى وجامعى وفوق الجامعى، لافتا إلى محدودية دور المرأة في صناع القرار سواء من حيث ضعف تمثيل المرأة في مجالس الإدارات أو ضعف التمكين السياسى للمرأة بالرغم من تحسنه في السنوات الأخيرة، وأخيرا وجود فجوة كبيرة بين الجنسين تؤكدها التقارير الدولية.
وأكد التقرير أنه رغم تعدد الصعوبات التي تواجه المرأة في سوق العمل، إلا أنه لا تزال العوامل الاجتماعية والثقافية مسؤولة إلى حد كبير عن ضعف مشاركة المرأة في القوى العاملة وارتفاع معدل البطالة بين النساء، ولا تزال وسائل مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية تخضع لقيود اجتماعية صارمة، وهو ما أسفر عن وجود خلل في وضع الإناث في سوق العمل، هذا بخلاف عدد من المعوقات الأخرى، مثل عدم توافر حضانات مؤهلة داخل بيئة العمل لرعاية أطفال العاملات، وتدنى الظروف المادية للأسر وبالتالي تفضيل تعليم الذكور عن الإناث، وارتفاع معدلات الإنجاب، وضعف شبكة النقل العام، وقوانين العمل التي لا تلزم صاحب العمل بعدم التمييز بين الجنسين بالإضافة إلى عدم كفاية إجازة الأمومة بالقدر اللازم للمرأة بعد الوضع، وتراجع ظروف العمل بالنسبة للمرأة في سوق العمل خاصة بالقطاع الخاص غير الرسمي، وضعف تأهيل المرأة.
وحول تأثير الأزمة على الإناث في سوق العمل، أشار التقرير إلى أن فترة بداية انتشار الفيروس اعتبارا من فبراير حتى منتصف مارس، شهدت زيادة محدودة في الطلب على عمل الإناث في قطاع الصحة بمصر، ولم تتأثر القطاعات الأخرى بشكل ملحوظ، بينما تأثر الطلب على عمل الإناث على قطاع الخدمات سلبا لانخفاض عوائد السياحة 75% في مارس مقارنة بالمتوقع، ومع تفاهم الأزمة حتى منتصف مايو أصبحت النساء على الأرجح يتحملن مسئوليات الرعاية الناجمة عن إغلاق المدارس وعزل كبار السن ورعاية الأعداد المتزايدة من أفراد الأسرة المرضى وبالتالى انخفضت قدرتهن على تقديم خدماتهن المهنية، وارتفع الطلب على العاملات في القطاع الصحى، في حين لم تتأثر العاملات في القطاع الحكومى سواء من حيث الاحتفاظ بالوظيفة أو الأجور، بينما حدث انخفاض جزئى في بعض وظائف القطاع الخاص في القطاعات الأكثر تشغيلا للإناث مثل الملابس الجاهزة، وتوقف العديد من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تستحوذ النساء على النصيب الأكبر منها، واستمرت حدة الأزمة خلال الفترة من منتصف مايو وحتى أغسطس على القطاعات المختلفة مع اتجاهها للتباطؤ.
ورصد التقرير 5 سيناريوهات لمرحلة التعافى اعتبارا من سبتمبر وحتى يونيو المقبل، وفقا لعنصرين الأول يتمثل في تطور الفيروس وتداعيات ذلك على مدى عودة المدارس والحضانات لاستئناف نشاطها، والثانى يتمثل في طبيعة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادى.
السيناريو الأول: يحدث اختفاء للفيروس أو ظهور مصل للعلاج واستئناف الدراسة وعودة الإناث لسوق العمل بمعدلات مشاركة أكبر، وهنا يمكن أن تحدث بعض التحولات المحمودة اتى يمكن أن تقلل من اللامساواة بين الجنسين في سوق العمل على المدى الطويل على جانبين، الأول تقسيم العمل بشكل متساو داخل المنزل بين الرجل والمرأة، والثانى يتمثل في إتاحة خدمات العمل عن بعد للموظفين والمرونة في أوقات العمل حيث أصبحت الشركات أكثر إدراكا لاحتياجات رعاية الأطفال لموظفيها.
السيناريو الثانى: يختفى الفيروس او يظهر مصل العلاج، واستئناف الدراسة، وعودة الإناث لأعمالهن كما قبل الأزمة، وهنا يعود عمل الإناث للمعدلات السابقة للأزمة من خلال اتخاذ الدولة لبعض الإجراءات البسيطة العاجلة لحفظ مكانة المرأة فى سوق العمل وضمان احتفاظهن بوظائفهن.
السيناريو الثالث: اختفاء الفيروس أو ظهور المصل، ولكن عدم عودة الإناث إلى سوق العمل في صورتها السابقة، نظرا لعدد من المستجدات على سوق العمل التي تتمثل في الوعى بتضخم العمالة في بعض القطاعات، وزيادة العرض من العمالة خاصة بعد تسريح عدد من العاملين بالخليج.
السيناريو الرابع: ظهور موجة ثانية من الفيروس مع عدم التوصل إلى مصل لعلاجه وتوقف الدراسة في المدارس الحضانات، واستمرار مشاركة الإناث بمعدلاتها في وقت الأزمة، حيث يبقى الحال على ما هو عليه من حيث بقاء النسبة الأكبر من السيدات في المنازل لرعاية أسرهن مع الاستمرار في العمل عبر الإنترنت أو النزول إلى أماكن العمل لأيام معينة فقط.
السيناريو الخامس: ظهور موجة ثانية من الفيروس وعدم التوصل لمصل وتوقف الدراسة، وانخفاض شديد غير مسبوق في مشاركة الإناث في سوق العمل، حيث تتعرض النساء إلى ترك وظائفهن خاصة التي لا يمكن القيام بها عن بعد، مع آثار سلبية محتملة طويلة الأمد على حجم مشاركة الإناث في القوى العاملة، وبالتالي لجوء قطاع كبير منهن إلى العمل في وظائف أكثر استغلالا وأقل استقرارا لكسب قوتهن.
واقترح التقرير عددا من الإجراءات العاجلة لتخفيف أثار الأزمة على المرأة ومشاركتها في سوق العمل تتضمن: تقييم كافة الإجراءات ذات العلاقة المتخذة من الدولة للتعرف على مدى فعاليتها في تحقيق أهدافها واستكمال ما يعتريها من نقص وتعظيم الاستفادة من نتائجها لتساعد فيما بعد في إبلاغ خطط الاستجابة للأزمات حال تكرر الأزمة أو حدوث أزمات أخرى شبيهة، بجانب جمع كافة الإحصائيات والبيانات المتعلقة بالنوع الاجتماعي وتحليلها لدراسة كيفية تأثر النساء في كافة الأنشطة جراء أزمة كوفيد-19 مع الإعلان عنها أسبوعيا وبشفافية، للتمكن من وضع وتنفيذ تدابير سياسية فعالة أخرى حيث إن السياسات الصحيحة تقوم على معلومات.
وطالب التقرير برصد ومتابعة جميع السياسات والإجراءات والخطط الاقتصادية والاجتماعية الصادرة ذات العالقة والأثر على المرأة المصرية في ضوء الجهود المبذولة للحد من انتشار فيروس الكورونا المستجد، ودعم النساء عبر سلسلة القيمة من خلال ضمان حصول الموردين الذين يعتمدون بشكل كبير على عمل الإناث على مدفوعات للطلبات الحالية، وتقديم دعم إضافي لهم للحصول على الائتمان والقروض والمنح حتى يتمكنوا من الإبقاء على أنشطتهم وبالتالي الإبقاء على العاملات في وظائفهن.
ودعا التقرير لتوفير ظروف مرنة للعمل خاصة في القطاع الخاص تأخذ في الاعتبار المسؤوليات، الأسرية للعاملات من خلال – على سبيل المثال لا الحصر – العمل الجزئي أو العمل عن بعد من المنزل وبساعات مرنة لإعطاء المرأة خيار الجمع مع الموازنة بين عملها ودورها الأسري، بجانب تقديم إعانات مالية للمؤسسات التي بها تمثيل كبير من العمالة من الإناث أو تملكها إناث والتي تمنح العاملات إجازة مدفوعة الأجر، ومراجعة ومتابعة مدى استفادة الإناث من القرارات الأخيرة للبنك المركزي في إطار إجراءات استثنائية متخذة للحد من التداعيات السلبية لفيروس كورونا المستجد، ومدى وجود اختلافات في الاستفادة من القرارات وفقا للنوع، بالإضافة إلى استخدام فروع كل من المجلس القومي للمرأة ووزارة التضامن الاجتماعي والبنك الأهلي ومكاتب البريد في التعرف على ما تواجهه الإناث من صعوبات عند إقامة وتشغيل مشروعاتهن خاصة في وقت الجائحة واتخاذ السياسات المناسبة واللازمة لمعالجة أوجه القصور.
وأشار التقرير إلى أوجه الضعف المؤسسى التي كشفتها الأزمة فيما بخص الوضع الاقتصادى والاجتماعى للإناث في مصر وبعض مقترحات علاجها لتعظيم الأثر على الارتقاء بدور المرأة حتى تصبح محركا رئيسيا لتعافى الاقتصاد ونموه.
ومن أهم أوجه الضعف هي عدم وجود قاعدة بيانات ومعلومات عن حجم ونوع الطلب على الإناث، وهو ما يمكن علاجه من خلال وضع خرائط استثمارية مفصلة تتضمن فرص العمل المتاحة والمناسب منها للإناث، ورصد التقرير أيضا تعدد المعوقات الاجتماعية والثقافية ونقص التوعية بالحقوق القانونية وانحياز بعضها في غير صالح الإناث، وهو ما يتطلب حملات توعية تستهدف المناطق الريفية والحدودية، وزيادة وعى القطاع العام والخاص بمسئوليتهما الاجتماعية، والعمل على تصحيح المفاهيم الخاصة بحقوق المرأة القانونية والتعريف بأساليب المطالبة بها.
وأشار التقرير إلى وجود فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وهو ما يتطلب تصحيح منظومة التعليم بوجه عام، للاستفادة من إمكانيات الجنسين، وتطوير التعليم الفني، وتوفير برامج تدريبية للإناث.
ومن أوجه الضعف أيضا التنفيذ غير المكتمل للبرامج والمبادرات المقدمة من الجهات المانحة للمرأة، وهو ما يتطلب التنسيق وإعادة النظر في هذه البرامج لضمان المتابعة مع السيدات المستفيدات ومراعاة كل من التوزيع الجغرافى ومحتوى المبادرات الأخرى.
ودعت الدراسة للاهتمام بالتمكين الاقتصادى للمرأة من خلال قطاعات المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهى أحد القطاعات الرئيسية التي تستوعب فرص العمل اللائق والمنتج للسيدات في مختلف الأقاليم والمحافظات.