هل يمكن أن توجد أخلاق بدون الإله؟ هل ستخلو حياتنا من المعنى بدون الدين؟ كلها أسئلة يحاول البعض الوصول إلى إجابتها، خاصة مع غلبة الآراء الدينية فى وسائل الإعلام المختلفة، كثيرًا ما يساء فهم من يرفضون الدين، بمن فيهم الإنسانويون، وأحيانا ما يجرى تشويههم، وهو ما حاول كتاب " الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف ستيفن لو، وترجمة ضياء وراد، توضحيه.
وفى هذا الكتاب من سلسلة «مقدمة قصيرة جدا»، يلقى ستيفن لو نظرة على تاريخ الإنسانوية وتطورها كرؤية فلسفية، ويفحص الحجج المؤيدة والمعارضة لوجود الإله، ويبين موقف الإنسانويين من العلمانية والتعليم، ومن خلال تناول وجهة نظر الإنسانويين فيما يتعلق بمسألتى معنى الحياة والقيم الأخلاقية، يضع المؤلف بديلا إيجابيا للمعتقد الدينى التقليدى.
الانسانوية مقدمة قصيرة جدا
وبحسب الكتاب هناك عدة أمور تميز الإنسانويون، منها أولًا: يؤمن الإنسانويون أن العلم، والعقل بشكل أعم، أداتان مهمتان للغاية يمكننا — ويجب علينا — أن نستخدمهما فى كافة مناحى الحياة، ثانيًا: الإنسانويون إما ملحدون وإما على الأقل لا أدريون، إنهم يتشككون فى الزعم بوجود إله أو آلهة، وكذلك يتشككون فى وجود الملائكة والشياطين وغيرها من مثل هذه الكيانات فوق الطبيعية، ثالثًا: يؤمن الإنسانويون أن هذه الحياة هى الحياة الوحيدة لنا، فلا توجد حياة أخرى تعود فيها أرواحنا إلى أجسادنا بعد موتنا، كما لا توجد جنة أو نار، رابعا: تنطوى الإنسانوية على إيمان شديد بوجود وأهمية القيمة الأخلاقية، كما يؤمن الإنسانويون بأنه ينبغى أن نستمد أخلاقنا عن طريق دراسة الطبيعة الفعلية للبشر.
وأرجع الكتاب جذور الإنسانوية إلى الفكر الهندى القديم، حيث كان التشكك فى التعاليم الدينية سمة من سمات بعض الكتابات الهندية المبكرة، بل إن أحد نصوص الأوبانيشاد يشكك حتى فى وجود الإله براهما، وفى وقت لاحق، لم تتشكك مدرسة فكرية هندية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد — منظومة كارفاكا — فى وجود إله وحسب.
يعتبر كونفوشيوس (٥٥١–٤٧٩ قبل الميلاد) هو مؤسس الكونفوشيوسية، وهى منظومة فكرية هيمنت على الصين وأجزاء أخرى من آسيا لآلاف السنين، وعلى الرغم من أن كونفوشيوس سلم بوجود كل من الآلهة والقوى فوق الطبيعية، فإن منظومة الفلسفة الأخلاقية والسياسية التى وضعها استقلت على نحو كبير عن أى تقيد بالآلهة أو تلك القوى.
وكما ذكرنا سلفا الإنسانويون إما ملحدون وإما لا أدريون، ويفترضون فى المعتاد أن الإيمان بوجود إله أو عدة آلهة غير منطقى أو مبرر، ويزيد آخرون على ذلك؛ إذ يؤكدون على أن الإيمان بالإله غير عقلانى على الإطلاق.
وفى المقابل، فإن المؤمنين بالإله يفترضون فى المعتاد أن معتقدهم عقلاني، مع تأكيدهم على أن موقفهم هو «موقف إيمانى»، إنهم يفترضون أن الإيمان بالإله ليس مثل الاعتقاد فى وجود بابا نويل أو الجنيات، فالأمر أكثر عقلانية بكثير من ذلك، ربما يعترفون أن وجود الإله لا يمكن «إثباته» على نحو حاسم، لكنهم يصرون دوما على أن الاعتقاد بوجود الإله شيء عقلانى، إلى حد ما، على الأقل بالنسبة إلى شخص بالغ متعلم ومتحضر.