تمر اليوم الذكرى الثالثة على رحيل المفكر السياسى ورئيس حزب التجمع الوحدوى، الدكتور رفعت السعيد، أحد منظرى اليسار المصرى، ومن كبار المنتقدين لجماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها، إذ غاب عن عالمنا فى 17 أغسطس عام 2017. ويعد الدكتور رفعت السعيد أحد رموز اليسار العربي، اشتهر السعيد بكتاباته الفكرية التقدمية، وكتبه التي ناقشت ورصدت الحركات السياسية في مصر، إضافة إلى دوره القيادي في حزب التجمع، حيث يشغل منصب «رئيس المجلس الاستشاري» له.
وكان للراحل الكبير العديد من المؤلفات والدراسات التى هاجمت جماعة الإخوان المسلمين، إذ يعتبر رئيس حزب التجمع السابق، أحد أكثر المعارضين لجماعة الإخوان وأهدافهم الدنيئة من أجل السيطرة على الحكم باستغلال الدين، كما قدم كتبا عديدة فى ضد التطرف والإرهاب.
لكن يبدو جانبا آخر لا يعرفه الكثير عن مؤلفات المفكر الراحل، وهو الجانب الإبداعى وكتاباته الروائية، حيث أنجز الراحل فيها أربعة أعمال هي «السكن في الأدوار العليا» و«البصقة» و«رمال» و«مع حكايات الحكايات»، وكل عمل من هذه الأعمال يحمل حكايته الخاصة، وكل حكاية مملوءة بالتفاصيل والأحداث، كذلك كان هناك ملامح فنية بديعة فى تجربة كتاب «مجرد ذكريات»، هذا الكتاب الذي يعد من أبرز كتب السيرة الذاتية التي صدرت خلال الثلاثين عاماً الماضية.
السكن فى الأدوار العليا والبصقة
لكن لا يوجد اهتمام بتلك الروايات، ولا يصدر منها أى طبعات، كما يبدو أن النقاد لم يهتموا بتجارب "السعيد" الروائية باعتبارها أعمالًا إبداعية ناضجة، وأنه روائي محترف، ونظروا إليه باعتباره سياسيًا ومفكرًا فقط.
عن روايته الأولى: «السكن في الأدوار العليا»، يقول: «إذا كان البعض قد فوجئ بصدور هذه الرواية، فقد كنت أنا أولهم، فلم يخطر ببالي أبداً أن أفعلها، فقد تصورت أنه يكفيني أنني عانيت نوعين من الكتابة، كتابة التاريخ، وهي تعتمد على ملاحقة الحقيقة حتى إذا اكتفيت وضعتها أمام عقلي وبصري، لأكتب محاولاً دون جدوى أن أكون محايداً، فالحياد في كتابة التاريخ يستحيل سراباً، وأقصى ما تستطيعه الكتابة التاريخية ألّا تكون منحازة، لكن الحقائق التاريخية تفرض على المؤرخ أو كاتب التأريخ حصاراً لا فكاك منه، إن أراد لكتابته أن تكون عملية أو أكاديمية.
أما الرواية الثانية «البصقة» فقد كتبت أيضاً في سجن القلعة يقول د. رفعت السعيد: «في ذات الزنزانة، كل شيء كما كان قبل عامين أو أقل قليلاً، التغيير الوحيد أن اللمبة الضخمة المعلقة قرب السقف اختفت وحل محلها ضيف ثقيل الظل، ففي سقف الزنزانة فتحة مغطاة بقضبان حديدية وعسكري مسكين مكلف بأن يظل منحنيا ليرى ماذا أفعل.. ولكن ماذا يمكن أن أفعل؟ أجاب أحد الضباط «أهي غلاسة والسلام، أمال يعني عايزنا نسيبك كده؟» أما أنا فقد اكتشفت مساحة صغيرة في أحد الأركان لا يراها العسكري المسكين فبدأ يصرخ: أنت فين يا مسجون، ولم أجبه فصرخ بأعلى صوته «انتباه» وأقلق صراخه المأمور ومن حوله.. ثم اكتشفوا الحيلة.. وكانت لعبة مسلية.. يوم أو يومان فتحت دفاتر ذاكرتي وأمسكت بقلم إرادتي بهزيمة السجن والسجان وبدأت الكتابة مرة أخرى في ذاكرتي، رواية حاولت أن أنسج منها خيطاً ينتقم من حماقة الملفقين.
أما رواية «رمال» فكتبت خارج الزنزانة، حيث تحولت من مقال صحفي كان د. السعيد ينوي كتابته إلى رواية بأحداثها وشخصياتها المتعددة، حول التحولات السياسية والاجتماعية والعاصفة، والتلونات السياسية بغرض البحث عن مكاسب شخصية، يقول: كانت «رمال» فيها كالمعتاد رحيق من ذاكرة قديمة عشتها في المنصورة، ورغم ذلك المثلث من الروايات أقرر وبصدق أنني لا أعتبر هذا النوع من الكتابة بالنسبة لي احترافاً ولا حتى هواية لكنها في أفضل الأحوال غواية.
أما روايته "السكن في الأدوار العليا" تُعد رواية ناضجة فنيًّا وفكريًّا وبها القضية التي شغلت رفعت السعيد طوال حياته، وهي قضية اليسار المصري وتمكينه، بأن يكون له دور فعال ومؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية المصرية".