درج الفقه ومن بعده القضاء ومنذ زمن على وضع العديد من تقسيمات الجرائم، ولقد استهدفا من ذلك بوجه خاص تحديد التاريخ الذ ى يبدأ منه حساب تقادم الدعوى الجنائية، إذ من المعلوم أن تقادم الدعو ى الجنائية عن الجريمة يبدأ من اليوم التال ى لوقوعها – طبقا للمادة 15 إجراءات - ومن ذلك تقسيم الجرائم بالنظر إل ى ركنها الماد ى إل ى "وقتية ومستمرة"، بحيث أن كانت وقتية بدأ تقادمها من اليوم التال ى لوقوعها، وأن كانت مستمرة بدأ التقادم من تاريخ انتهاء حاله الاستمرار.
والعمد ف ى التفرقة بينهما هو الفعل المعاقب عليه، فالجريمة الوقتية تتم بمجرد ارتكاب فعلها الماد ى أما المستمرة، فيمتد فعلها الماد ى فترة من الزمن بتدخل إرادة الجان ى ف ى هذا الفعل تدخلاً متتابعاً متجددا، ولقد أثير التساؤل حول التكييف القانون ى لجرائم البناء عل ى أرض زراعية، وكذا التعد ى على أراض ى الدولة، وما إذا كانت وقتية أم مستمرة، وذلك لأن البناء أو أفعال التعد ى قد تظل قائمة؟
التكييف القانوني لجريمتى البناء علي أرض زراعية والتعدي على أراضي الدولة
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين المواطنين الملاك منهم والمستأجرين أو المشترين تتعلق بالتصالح في مخالفات البناء تتمثل في الإجابة على السؤال، ما هو التكييف القانوني لجرائم البناء علي أرض زراعية، وكذا التعدي على أراضي الدولة، وما إذا كانت وقتية أم مستمرة، وذلك لأن البناء أو أفعال التعدي قد تظل قائمة؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
جريمة البناء على أرض زراعية وقتية وليست مستمرة
فى البداية - المشرع المصري ممثلا فى محكمة النقض سبق له الإجابة على هذا التساؤل بالنفي، إذ رأت أن جريمة البناء علي أرض زراعية، وكذا التعدي على أراض الدولة جريمة وقتية، وأنه لا يؤثر في هذا النظر بقاء البناء مشيدا أو أفعال التعدي ظاهرة، إذ كلاهما من آثار الجريمة ولا يعتد بأثر الفعل في تكييفه القانوني، ففي جريمة البناء علي أرض زراعية قضت محكمة النقض أن معيار التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو الفعل المعاقب عليه – وفقا لـ"فاروق".
فالجريمة الوقتية تتم بمجرد ارتكاب الفعل، أما المستمرة فتمتد فترة من الزمن وأن العبرة فى الاستمرار بتدخل إرادة الجاني فى الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً مجدداً، وإضافة أن جريمة التعدي على أرض زراعية بالبناء من الجرائم الوقتية البسيطة التى تبدأ مدة تقادمها ببدء البناء أو الشروع فيه حتي ولو اندرج الفعل المادي المكون لها تحت وصف آخر وتتابعت أفعال البناء.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الأزمة فى الطعن المقيد برقم 6589 لسنة 67، حيث قالت فى حيثيات الحكم أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعنة بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة واطرحه في قوله:
وكان الثابت من أوراق الدعوى وتقرير الخبير المودع فيها والذي تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به وتعول عليه في قضائها وتجعله عماداً لها وإذ كان ذلك, وكانت النتيجة النهائية التى انتهى إليها أن جريمة البناء على الأرض الزراعية التى ارتكبتها المتهمة قد ارتكبتها على عدة مراحل متتابعة وأن آخر إجراء فيها هو تكملة السقف والبناء في تاريخ تحرير محضر المخالفة وقالت المحكمة أن ما أتته المتهمة من أفعال متتابعة هي كلها مكونة لنشاط إجرامي واحد وهو البناء على الأرض الزراعية على النحو الذي يخرجها عن طبيعتها مما يكون معه الدفع بانقضاء الدعوى بمضي المدة قد ورد على غير أساس من الواقع أو القانون متعيناً رفضه ......".
معيار التمييز بين الجريمة الوقتية والمستمرة هو "الفعل المعاقب عليه"
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو الفعل الذى يعاقب عليه القانون، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهى بمجرد ارتكاب الفعل كانت وقتية، أما إذا استقرت الحالة الجنائية فترة من الزمن، فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة والعبرة في الاستمرار هنا هى بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم هى أن المتهمة قامت بالتعدى على أرض زراعية بالبناء عليها, ومن ثم فهى من الجرائم الوقتية البسيطة التى تبدأ مدة تقادمها ببدء البناء أو الشروع فيه خاصة, وأن المادة 156 من قانون الزراعة رقم 116 لسنة 1983 تعاقب على الشروع في التعدى على الأرض الزراعية بالبناء عليها, ولا يغير من ذلك أن الفعل المادى المكون لتلك الجريمة وهو إقامة البناء يندرج تحت وصف آخر والمتمثل في جريمة إقامة بناء بدون ترخيص التي تعد من الجرائم المتتابعة الأفعال ذلك أن الثابت من الأوراق أن البناء تم فى القرية.
وكانت المادة 29 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء بعد تعديلها بالقانون رقم 30 لسنة 1983 قد دل صراحة نصها ووضوح عبارتها على إخراج القرى من نطاق سريان أحكام قانون تنظيم المبانى بصفة مطلقة باعتبار أنه لا يسرى إلا على عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدناً طبقاً لقانون الحكم المحلى, مما لا وجه للقول بقيام جريمة البناء بدون ترخيص .
لما كان ذلك، وكان الثابت من تقرير الخبير المرفق بالمفردات المضمومة أن الطاعنة قامت بإنشاء قواعد خرسانية على الأرض الزراعية منذ أربعة سنوات سابقة على تحرير محضر المخالفة وأنها عندما قامت باستكمال هذا المبنى في تاريخ تحرير محضر المخالفة قامت الجمعية الزراعية بالناحية بتحرير محضر مخالفة لها بالبناء على أرض زراعية، وكان مقتضى ذلك أن فعل الاعتداء على الأرض الزراعية المسند إلى الطاعنة يكون قد تم وانتهى بإقامتها لتلك الأعمدة الخرسانية منذ أربعة سنوات سابقة على تحرير محضر المخالفة, وهو ما يمثل فعل التعدى على أرض زراعية، مما تنقضي معه الدعوى الجنائية بمضي المدة لمرور أكثر من ثلاث سنوات على ارتكابه، ولا يغير من ذلك استكمال الطاعنة للمبانى فوق تلك الأعمدة بعد 4 سنوات من إنشائها، إذ لا يعد ذلك - كما سبق البيان - تتابع للأفعال المكونة للجريمة .
جريمة التعدى على أرض مملوكة للدولة
أما بشأن جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة بكافة صورها الواردة في الفقرة الأولى من المادة 372 مكرراً عقوبات اعتبرتها محكمة النقض وقتية متي تم فعل البناء وانتهي، وإضافة النقض أن بقاء البناء قائم لا يجعل الجريمة مستمرة، إذ ذلك من آثار الفعل الذي لا دخل له في التكييف القانوني للجريمة، ومن ثم يبدأ تقادم الدعوي من تاريخ انتهاء البناء، وقالت النقض في ذلك أنه لما كانت المادة 372 مكرراً من قانون العقوبات المستحدثة بالقانون رقم 34 لسنة 1984 الصادر في 27 من مارس سنه 1984 تنص في فقرتها الأولى على عقاب كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة وذلك بزراعتها أو غرسها أو أقامه إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لأزمة التعدي على أرض مملوكة للدولة فى الطعن المقيد برقم 23112 لسنة 61 حيث قالت فى حيثيات الحكم وكان البين من صور التعدي التي ساقها النص على سبيل المثال أن هذه الجريمة، إما أن تكون وقتية وإما مستمرة، والفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة في هذا الصدد هو طبيعة فعل التعدي الذي قارفه الجاني، فإذا كان الفعل مما تتم وتنتهى الجريمة بمجرد ارتكابه كانت وقتية.
أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن، فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة، والعبرة في الاستمرار هذا هي بتدخل اراده الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلا متتابعا متجددا، فإذا كانت الواقعة هي التعدي على أرض مملوكة للدولة بالبناء عليها فإن السلوك الإجرامي يتم وينتهى: بإقامة هذا البناء، مما لا يمكن حصول تدخل جديد في هذا الفعل ذاته فتكون الجريمة التى تكونها هذه الواقعة وقتيه، ولا يؤثر في هذا النظر ما قد تسفر عنه الجريمة من آثار تبقى وتستمر إذ لا يعتد بأثر الفعل في تكييفه قانوناً، ومن ثم فلا يعتد في هذا الشأن ببقاء ذلك البناء لأن بقاءه يكون في هذه الحالة أثرا من آثار الإنشاء ونتيجة طبيعية له.