محمد ثروت

هجرة جديدة لتطبيق مبادىء وثيقة المدينة للتعايش

الجمعة، 21 أغسطس 2020 12:02 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أحوجنا بعد مرور 1442 عاما على الهجرة النبويةالأولى من مكة المكرمة إلى يثرب أو المدينة المنورة إلى هجرة جديدة داخل العقل المسلم الذي سعت تيارات الإسلام السياسي للسيطرة عليه، و وتطويعه  وإخضاعه للفكر السلفي الجامد، بدعوى العودة إلى مبادىء الإسلام الأولى، والمسلمون الأوائل منهم براء.

فقد خالفت تلك التيارات  اهم ما جاء في وثيقة المدينة أول دستور إسلامي مكتوب أو الصحيفة كما وردت عند ابن هشام وغيره من كتب السيرة. من حرية العقيدة وقبول الآخر  والتعايش بين أهل الديانات وليس الصراع والعنف والتكفير والتخوين.  خطت الوثيقة المدينة ملامح أول دستور حضاري للمواطنة والتعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية. وتضمنت بنودها الحفاظ على الأمن الجماعي والتعايش السلمي بين جميع مواطني دولة المدينة بمختلف أعراقهم ودياناتهم .فجاءت مقدمة الوثيقة :"هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ (رَسُولِ اللهِ)  بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ .. إِنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ". ونظرا لوجود أديان مختلفة داخل مجتمع المدينة الجديد فقد نصت الوثيقة على ضمان حرية الاعتقاد  والتعبد "لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ"، و أنَّ المساس أو التصادم بالدين لا يخدم ما يصبو إليه من التعارف والتعايش بين الأطياف المختلفة في المجتمع الائتلافي الجديد. وتبع ذلك ضمان المساواة التامة لمواطني دولة المدينة في المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة تحقيقا لمبدأ أصيل تقوم عليه الدول الحديثة في عالم اليوم وهو مبدأ المواطنة الكاملة فضمن دستور المدينة هذا الحق لكل ساكنيها في وقت لم يكن العالم يعي معنى كلمة الوطن بالتزاماته وواجباته.

والملفت أن الوثيقة لم تجعل اليهود ذمِّيين، ولم تأمرهم بإعطاء الجزية لأيّ سلطة، ولم تعامل العرب المشركين على أنهم مطالبون بالإسلام أو القتل، إنما اعتبرهم معاهدين، لقوله تعالى "إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" (التوبة: 4)، وإنْ كان المتحفِّظون يرَوْن أن فرض الجزية جاء في السنة التاسعة الهجرة.  لم تتجاهل الوثيقة ايضا ترسيخ إقرار مبدأ المسؤولية الفردية وأصل هذه المسؤولية الإعلان عن النظام وأخذ الموافقة عليه. وعلى أثر هذه الوثيقة زادت رقعة معاملة المسلمين لغير المسلمين في عهد النبي(ص) على أساس مبدأ التسامح الذي  خالفه المتأخرون، فاستباحوا دماء الآخر داخل الدين الواحد لمجرد الاختلاف المذهبي، ورفعوا السيف فوق منابر المساجد، والتي من  المفترض أن تكون دعوة للسلام النفسي والإنساني. لقد كانت حرمة الدماء أول ما تصدر الوثيقة لحث الطوائف والقبائل وكل أتباع الديانات المختلفة على الحفاظ على النفس البشرية والعمل سويا وفقا لعقد اجتماعي، يتضمن حقوقا وواجبات واسسا وقواعد للتعامل بين الناس مهما كانت خلافاتهم الدينية والمذهبية والطائفية. أسّست الوثيقة لما يعرف في الغرب بسياسات الاندماج المجتمعي و لمفهوم التكافل والتضامن. فأقرت الوثيقة أن المهاجرين مسؤولون عن فداء أسراهم، ويدخل في عمومه أنهم متضامنون في تلبية الحاجات الأساسية المطلوبة من قبل أفرادهم، والأنصار كذلك، وكلّ تجمُّع قبليّ مسؤول عن فداء أسرته. إنها دستور تطبيقي خرج من إطار النصوص إلى فهم طبيعة وفقه الواقع، واختلاف المجتمعات و التوازنات المطلوبة بين طوائف المجتمع، وهي رسالة للجاحدين من  أنصار التيارات الإسلامية التي بمجرد اعتلاء قمة السلطة، تخلت عن مبادىء وثيقة المدينة التي كانت تتشدق بها وهي تروج للإسلام الحضاري، بينما كانت المفاجأة الصارخة انقلابهم على تلك المبادىء وتخليهم عنها، و التهكم والسخرية من المعارضين لهم و المخالفين لاستبدادهم باسم الدين، واتهامهم بتهم جاهزة معلبةكالعلمانية ومحاربة الدين.. وهم ابعد ما يكونوا عن جوهر الدين وسماحته الذي نادت به وثيقة المدينة.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة