أكدت لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية على أهمية الالتزام بالضوابط التي ذكرَتْها اللجنة العليا لإدارة أزمة كورونا أثناء صلاة الجمعة غدًا للوقايةً من عودة انتشار الفيروس، وحمايةً للأنفُس المعصومة، بدءًا من التزام المصلين بارتداء "الكمامة" تحرزًا من وصول أو تسلُّل الفيروس إلى الفم أو الأنف عند وجود حالات بين المصلين مصابة بالفيروس.
وأفادت اللجنة أنه فيما يتعلق بارتداء الكمامة أثناء الصلاة، فإن عامة الفقهاء قد ذهبوا إلى كراهة الثلثُّم في الصلاة بتغطية الأنف والفم إذا كان لغير عذر أو حاجة، وأنه ترتفع الكراهة بالعذر المعتبر والحاجة، ولذا فإنه متى وُجدت الحاجة الداعية لستر الفم أو الأنف فلا كراهة، وإن من الأعذار المعتبرة للتلثم في الصلاة "وضع الكمامة " تحرُّزًا من العدوى، كما أن الكمامة لا تؤثر على تلاوة القرآن الكريم ولا الأذكار المأثورة في الصلاة؛ لأنها ليست ثخينةً كالعمائم مثلًا.
وفيما يتعلق بالالتزام بالتباعد أثناء سماع الخطبة وصلاة الجمعة، تفيد لجنة الفتوى أنه تصح الصلاة بلا كراهة مع التباعد بين المصلّين بمقدار متر أو أكثر، وبيان ذلك أن جمهور الفقهاء على أنه تستحب تسوية الصفوف في الصلاة؛ لكونها من حُسن إِقامة الصلاة وتمامها كما دلَّ عليه النصُّ النبوي الشريف، وكذا فإنه لا تبطل الصلاة على قول من قال بوجوبها، ولذا قال الحافظ ابن حجر -وهو من القائلين بوجوب تسوية الصفوف-: "ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسوِّ؛ صحيحة؛ لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة".
وتابعت: أنه على هذا فإن الصلاة مع تباعد المصلين وترك تسوية الصفوف صحيحة، كما أن الكراهة ترتفع على مذهب الجمهور، وإذا ارتفعت الكراهة فالأجر كامل؛ لوجود العُذر المُعتبر في حالتنا وهي الحاجة المعتبرة، المتمثلة في الاحتراز من أسباب الإصابة بالفيروس؛ لاسيما وأن المقصد ليس مخالفة السنة في كيفية اصطفاف المصلين ولا تغيير هيئة صلاة الجماعة، بل هي حالة مستثناة لظرف طارئ تزول بزواله، وقد قال الرملي: "إن كان تأخرهم عن سد الفرجة لعذر كوقت الحر بالمسجد الحرام؛ لم يكره لعدم التقصير".
وأوضحت اللجنة أنه إذا كان الشارع الحكيم أباح ترك ركن من أركان الصلاة من أجل العُذر المعتبر كالصلاة قاعدًا لمن عجز عن الصلاة قائمًا في صلاة الفريضة؛ عجزًا عن القيام، أو منعًا من اشتداد المرض؛ فترك تسوية الصفوف مع بقاء إقامتها أولى؛ مراعاةً لقصد الشارع الحكيم في اجتماع المسلمين في الصفوف، مع الأخذ بالأسباب في التباعد وقت انتشار الأوبئة ما أمكن.
وأشارت اللجنة إلى أنه فيما يتعلق بالاحتراز الخاص بقصر الوضوء على البيوت، أن الأصل هو قيام المصلي بالوضوء في بيته تحصيلًا للأجر الوارد في قول النبي ﷺ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً».
ولفتت إلى أن اصطحاب المصلين للبساط الخاص لكل مصلٍّ "سجّادة الصلاة"؛ فيه إعمال لمقتضى القواعد الفقهية التي تفيد دفع الضرر قدر الإمكان وكلما أمكن.
أما ما يتعلق بقصر مدة الخطبة على عشر دقائق، قالت اللجنة: إن هذا مما يعد من تقييد ولي الأمر وضبطه للشعائر، ومن المقرر شرعًا أن تصرف الحاكم على الرعية منوط بالمصلحة، وأنه تجب طاعته في ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾.
كما تشدد اللجنة على أنه يجب على المريض بهذا الفيروس وكذا على المشتبه بإصابته به أن يصلي في بيته، وألا يذهب للمسجد لأداء صلاة الجمعة أو الجماعات؛ لما في مخالطته لغيره من إلحاق الضرر بعمار المساجد من الأصحاء.
وحول تساؤل البعض فيما يتعلق بالصلاة في البيوت، بيّنت اللجنة أنه يجوز الترخص بالصلاة في البيوت لمن خشي الإصابة بالعدوى، ككبر السن وأصحاب الأمراض المزمنة؛ رفعًا للحرج، قال تعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾، وقول النبي (ﷺ) إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة