إنه ميراث الفوضى والعشوائية ومخالفة القانون والاستهانة به وتجاوزه.. ميراث ثقيل من الفساد والمفسدين التى غابت ضمائرهم فاستباحوا كل شىء على حساب مصلحة الوطن تحت مظلة قانون "السداح مداح" و"الفهلوة" و"مشى حالك" الذى ساد طوال الأربعين عاما الماضية وابتلع فى طريقه كل القيم والأخلاق واحترام القانون .
وكنا نتوقع ونستبشر خيرا بـ25 يناير إلا أنها أخرجت أسوا ما فينا أو فى فئة ليست بالقليلة منا راحت كالذئاب الجائعة تنهش فى جسد البلاد بالتعدى والفوضى والعشوائية وتدنى الأخلاق وغياب الوعى حتى استيقظنا على الكارثة.
من حق الرئيس السيسى أن يغضب ويثور مما يراه على أرض الواقع، ومما يعرفه ويقرأه من أرقام محزنة ومأساوية ومغزية عن حجم المخالفات فى البناء والتعديات على الأراضى الزراعية.. ومن حقه أن يغضب من الأيدى المرتعشة والمتهاونة والخائفة وغير القادرة على أداء مهمتها الوطنية والحفاظ على مقدرات الدولة من التآكل والنهب من المحافظين ورؤساء المدن والعمد.
فالرئيس ليس وحده الذى تقع على عاتقه مسئولية المواجهة وخوض معركة البناء والتنمية، فلابد أن يتكاتف الجميع من مسئولين ومحكومين بوعى ومسئولية وضمير وطنى وشرف فى أداء المهمة.. فلابد من أدوات وضمائر يقظة مع الرئيس فى هذه المعركة الشرسة والصعبة.
كما قال الرئيس بالأمس "اللى مش قد المسئولية يعتذر عنها.. فالمرحلة تحتاج إلى رجال".. وهى الكلمة التى ضربت فى عمق المشكلة التى تعيشها مصر فى أداء المهام من بعض المسئولين فى المحافظات والمدن بالأداء الوظيفى البائس البليد وليس بروح المسئولية فى مرحلة ما بعد 30 يونيو لتنفيذ القانون بحسم وقوة ودون خوف ومواجهة كل من يسعى لمخالفته مهما كان نفوذه فلا أحد فوق القانون.. وهذه الكلمة على وجه الخصوص كررها الرئيس فى خطاباته السابقة.
ما شاهده الرئيس من تعديات فى إحدى قرى مصر هو جزء بسيط من تعديات فاقت المنطق والعقل، وتكشف عنها الأرقام المفزعة، فخلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى يوليو 2018 بلغت التعديات على الأراضى الزراعية حوالى 2 مليون حالة تعد، وفى عام 2017 أصدرت وزارة التنمية المحلية تقرير خاص بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ورد فيه أن عدد المبانى المخالفة تقدر بقيمة 257 ألف مخالفة مما يعنى تقليل مساحة الرقعة الزراعية المستخدمة للزراعة. وكشف حصر آخر لوزارة الإسكان عام 2018، أنه بلغ 2 مليون و800 ألف عقار مخالف، ووصل إلى 3 ملايين عقار مخالف، وفق لتقديرات لجنة الإسكان بمجلس النواب، ورصد التقرير انتشار العقارات والمناطق العشوائية فى 226 مدينة تشكل القطر المصرى، ووصلت نسبة العشوائية من المبانى إلى 40% فى محافظات الإسكندرية والشرقية والقاهرة والجيزة والقليوبية والتى تعد أكثر المحافظات فى انتشار المبانى العشوائية .
هل يمكن الصمت على هذا الوضع.. من تراخى وتهاون فى مواجهة هذه التعديات.. المحاسبة واجبة.. وتفعيل القوانين وتنفيذها بقوة وحسم هو الحل الآن وفى المستقبل.. والمسئولية تقع على عاتق الجميع بأدوات مختلفة. فالحفاظ على مقدرات الدولة وأراضيها الزراعية حرب لا تقل فى قسوتها عن الحرب ضد الإرهاب وأظن أن حسمها قد بدا بقرار الرئيس بتولى اللواء أركان حرب حسن عبد الشافى منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة