مرت الساعات طويلة وعقارب الساعة أشبه بسهام تنهش في عقل الزوجة الوفية وهى تنتظر قدوم الزوج، إلا أنه لم يعد، ظلت تبكي وتتذكر ما وصاها به الزوج من قراءة الرسالة التي أعطاها لها ويدها ترتعش كلما اقتربت من فتح رسالة الزوج.
تمالكت نفسها وفتحت الرسالة وكانت كالآتي: حبيبة قلبي ومنية الفؤاد، أنا الآن قد رحلت عن ذلك العالم المرير الذي لم أذق فيه سوى طعم الألم والأحزان والفراق، تاركا خلفي أغلى شىء في حياتي أنت وطفلي الصغير الذي ذاق مرارة اليتم، لكني أعلم أن الله قد عوضه بقلب محب آخر أحبه بصدق أنت يا حبيبة القلب، لقد كنت أحاول أن أكشف ما تفعله الشركة التي أعمل بها من أعمال مشبوهة من تجارة للسلاح والمخدرات وكل ما تتخيليه لدمار تلك البلد التي أعشق ترابها، وتأخري يعني أن أمري قد كشف وأنه تم القضاء على، حبيبة قلبى ارحلي بعيدا عن ذلك المكان حتى لا يتم الوصول إليكي والقضاء عليكي وعلى ابني الصغير، علميه حب الوطن والتضحية من أجله، لأن وطننا أغلى من أرواحنا، هنا لم تجد الزوجة إلا أن تحمل طفلها الصغير ودموعها تملأ وجنتيها وطفلها يبكي بكاء مريرا وكأنه يبكي حظه العاثر.
ركبت القطار وتوجهت إلى إحدى المدن الساحلية وجلست على الشاطئ وكان الجو يمطر، وكأن السماء تشاركها دموعها ودموع الصغير وهى تفكر أين تذهب وهى لا تملك المالن فجأة توقفت سيارة فارهة بها رجل وامرأة يظهر على وجوههما الثراء، جلسا مع الزوجة الباكية، سألاها عن سبب بكائها، لم ترد أن تفصح عن سرها وعن الرسالة التي معها، إلا أنها أفصحت لهما بأن زوجها قد مات وترك لها ذلك الصغير الذي ليس له أحد سواها، رق الزوجان لحالها وعرضا عليها أن تعيش معهما فليس لهما أي أولاد، ولم يرزقوا، وكأن السماء قد استجابت لدموعها، وافقت عليها فأرسلت لها من يمد يد العون، وافقت الزوجة دون تردد ذهبت معهما إلى بيتهما وجدت قصرا كبيرا مملوءا بالخدم وحديقة جميلة خصصت لهما غرفة كبيرة للمعيشة، جلست معهما، أحست أنهما أهلها رأت منهما حنانا وعطفا على الطفل الصغير.
مرت الأيام وأحست الزوجة بعلة في قلبها، شعرت بدنو أجلها، أحضر لها الزوجان الطبيب، إلا أنه أخبرهما بأنها سترحل ستغادر الدنيا، بكى الزوجان، توجها إليها ودموعهما تنهمر، هنا وجدت تلك الراحلة أنه لابد من الإفصاح عن السر التي لم تصرح به، حكت لهما قصتها كاملة واعطتهم الرسالة وأوصتهما على الطفل، عاهداها على رعايته، كابنا لهما، رحلت الفتاة وعاش الطفل بين الزوجين كأب وأم له، منحاه كل الحب والرعاية والمال وكل شيء، وكأن القدر قد رتب ذلك اللقاء.
أتم الطفل المرحلة الثانوية وبعدها التحق بكلية الشرطة ونجح وتفوق بها، ومرت السنون وتخرج منها وعمل ضابطا بجهاز سيادي كبير، وفي أثناء عودته من العمل وجد فتاة تستنجد وتصرخ لمحاولة بعض الشباب الاعتداء عليها، أسرع إليها ففر الشباب هاربين، وحينما وقع نظره عليها وجدها جميلة، عيناها كسهام حارقة، شعرها مجدول كليل جميل، ممشوقة القوام، صوتها كريح لينة، بيضاء وجهها مستدير كالقمر، أحس بانجذاب ناحيتها، عرض عليها أن يوصلها إلى بيتها وافقت الفتاة وفي أثناء العودة سألها عن عائلتها، وهل هى مرتبطة، علم بأنها ليست مرتبطة، أحس بالسعادة أوصلها بيتها وأخذ رقم هاتفها واستمر اللقاء بينهم لأسابيع، ظل لا يفكر إلا بها، حكي ما بداخل قلبه لأمه ووصف لها ما يشعر به من حرارة الحب، أخبرته الأم بأن يتقدم لخطبتها، عرض الشاب الأمر على محبوبته، وجد منها ترحيبا كبيرا، وتم تحديد موعد للقاء عائلي، توجه الشاب والأم والأب إلى بيت الفتاة وجدوا قصرا كبيرا وسيارات فارهة، علموا من الوهلة الأولى أن الفتاة من أسرة ثرية جدا، دخلوا القصر وجلسوا إلى أن أتى والد الفتاة، رحب بهم واستقبلهم أحسن استقبال، إلا أنه كان لا يعلم بوظيفة الشاب، وحينما علم بأنه يعمل كضابط شرطة بدت عليه ملامح الرفض دون إبداء الأسباب، خرج الشاب مكسور القلب محطم الفؤاد، وكأنه قد كتب عليه التعاسة مدى الحياة، والأب والأم يواسونه، رحل ولا يعلم أسباب الرفض، والفتاة تبكي وترفض الطعام والشراب لأيام وتدخل في مرحلة من المرض، والأب في حيرة من أمره، هل يوافق أم يرفض، لأن في رفضه تعريض حياة ابنته الوحيدة للموت، وفي الموافقة تعريض نفسه للخطر، لأن هناك سرا خطيرا يطويه بين جنباته ولا يعلمه أحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة