من المفاهيم التي قد تثير اللبس لدى بعض القانونيين مفهوم حق الانتفاع وما يشتبه به من مفاهيم أخرى مثل حق الإجارة، لأن كل من هذين الحقين يمكن إبرامه لمدة محددة، كما أنهما يشتركان في محل العقد، وهو استعمال واستغلال العين الوارد عليها العقد.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية التمييز بين حـق الانتفاع وحـق الإجـارة أو الإيجار، خاصة وأن القانون المدني المصري قد خلا من تعريف محدد لحق الانتفاع، ولكن باستقراء أركان حق الانتفاع فإنه يتبين اشتماله على ثلاث خصائص تميزه عن حق الإجارة، ومن هذه الخصائص ما يرتبط بالتكييف القانوني لطبيعة الحق، ومنها ما يرتبط بكيفية استعمال هذا الحق- بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد الشهير.
الفروق الجوهرية فى العقود بين حق الانتفاع والإيجار
في البداية - يتضح الفارق الجوهري بين حق الانتفاع وحق الإجارة في التكييف القانوني لكل منهما، فالأول هو حق عيني خالص، بينما الثاني يعد من الحقوق الشخصية، فحق الانتفاع من قبيل الحقوق العينية التي تخول لصاحبها سلطة استعمال واستغلال الشيء دون الحاجة لتدخل شخص آخر، وبمعنى أدق فإن صاحب الحق العيني لا يحتاج وسيط بينه وبين ما له من حق، ومثال ذلك حق الملكية الذي يخول الشخص سلطة التصرف في الشيء المملوك دون الحاجة لوسيط، أما حق الإجارة فهو يمثل الالتزام المفروض على المالك بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين، أي إن المستأجر لا يستطيع الحصول على حقه في الانتفاع بالعين المأجورة دون تدخل المالك وتمكينه له من ذلك، فالحق الشخصي يحتاج دائماً لوجود وسيط يمكن صاحب الحق من استخدامه – وفقا لـ" الشهير".
فارق الالتزام
يترتب على هذا الفارق الجوهري بين الحقين أن المالك غير ملتزم بتمكين المنتفع من الانتفاع، بينما يلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور، وهذا الفارق سببه هو الطبيعة العينية لحق الانتفاع التي لا تحتاج وسيط كما سبق بيانه، كما تترتب نتائج أخرى على هذه التفرقة بين الحقين، وهي أنه يجوز رهن حق الانتفاع الوارد على العقار بينما لا يجوز رهن حق الإجارة، كذلك يجوز للمنتفع أن يتصرف في حقه وأن يتنازل عنه دون انتظار موافقة المالك، بينما لا يجوز ذلك للمستأجر.
فارق استعمال الحق
أما من ناحية كيفية استعمال الحق، فإن حق الانتفاع يختلف عن حق الإجارة في أن الأول ينتهي بوفاة المنتفع ولا ينتقل للخلف العام حتى ولو لم تنتهي مدة الانتفاع، بينما ينتقل حق الإجارة إلى ورثة المستأجر في حدود ما نص عليه العقد أو قرره القانون، ومن ناحية أخرى فإن عقد الإيجار ينتهي بهلاك العين المؤجرة، بينما يمكن أن ينتقل حق الانتفاع إلى ما يقوم مقام العين الهالكة.
الخلاصة:
أن حق المنتفع يشبه حق المستأجر لدرجة قد تجعل أحدهما يلتبس بالآخر، إذ كل من المنتفع والمستأجر ينتفع بشئ لا يملكه و لمدة معينة، إلا أن الحقين يختلفان أيضاً من وجوه، يلزم تبيانها لرفع هذا الالتباس، ومن أهمها:
1- حق المنتفع يعد حقاً عينياً، أما حق المستأجر فهو حق شخصي، ولذلك إذا ورد الانتفاع على عقار، عد حق الانتفاع مالاً عقارياً ويصلح بالتالي أن يكون محلاً للتصرفات العقارية من بيع وهبة ورهن، ويجب الشهر لهذه التصرفات عندئذ، أما حق المستأجر فهو حق شخصي حتى ولو كان وارداً على عقار، و لذلك لا يجب شهره إلا في أحوال استثنائية، كأن يكون عقد الإيجار مبرماً لمدة أكثر من 9 سنوات "والعقد هنا هو الإيجار الخاضع للقانون المدني".
2- أن حق الانتفاع ينقضي حتماً بوفاة المنتفع، أما حق المستأجر فلا ينقضي بذلك السبب، فيجوز أن تنتقل حقوق العقد و التزاماته إلى الخلف العام .
3- أن حق الانتفاع لا يتضمن سوى التزاماً عاماً على عاتق مالك الرقبة، هو أن يترك صاحب حق الانتفاع ينتفع بالشئ، أما في عقد الإيجار فإن التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع هو التزام إيجابي يقتضي أن يستمر المؤجر في تمكين المستأجر من الانتفاع بالشئ المؤجر طوال مدة عقد الإيجار، ولذلك فإن أهم ما يميز حق الانتفاع عن الإيجار بصفة أساسية هو أن المنتفع إنما يستفيد بالشئ محل الانتفاع دون وساطة صاحبه ، أما المستأجر فلا يتسنى له هذا الانتفاع إلا بواسطة المؤجر للشئ .
4- أن مصدر حق الانتفاع يكون سبباً من أسباب كسب الحقوق العينية عدا الميراث، أما مصدر الإيجار فهو دائماً العقد .
5- أن حق الانتفاع قد يكون بعوض أو بدونه، أما الإيجار فيعتبر من المعاوضات .
و إذا ثار اللبس في بعض الأحيان عما إذا كنا بصدد إيجار أو بصدد حق انتفاع، فالعبرة بقصد المتعاقدين، و يستدل على هذا القصد من ظروف العقد و أحكامه و طبيعة المعاملة هذا، و قد تعرضت محكمة النقض في بعض أحكامها لبيان أهم الفروق بين حق الانتفاع وعقد الإيجار، نظراً لما لاحظته من الخلط بينهما في التعامل وعدم اتخاذ الحيطة في إيضاح حقيقة العلاقة بين طرفي العقد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة