القصة الملهمة لطبيب الغلابة الدكتور محمد مشالى، في محافظة الغربية، جعلتنا نتمنى تكرارها ونفتش عن أمثلة متطابقة في بقية محافظات الجمهورية.
أنا من مواليد مدينة القصاصين الجديدة فى الإسماعيلية، وهى المدينة التى شهدت أعمال خير لطبيب غلابة آخر، هو الدكتور عصام فريد تادرس، استشاري الأنف والأذن والحنجرة، 80 عامًا، كنت أحد مرضاه منذ الطفولة وحتى المرحلة الجامعية، كنت استغرب ثمن الكشف القليل جدًا، مقارنة بالعيادات والأطباء الأخرين، رغم خبرته الكبيرة وشهرته الواسعة.
أكثر ما كان يرهقنى فى الكشف لديه هو انتظار دورى، بسبب الازدحام الكبير والإقبال الغير عادى أمام عيادته التى لا يوجد مكان لقدم لا أمام العيادة أو المنطقة المحيطة بالعيادة التى تقع بجوار مستشفى القصاصين المركزى، لكن الثقة الكبيرة فى خبرته كانت سببًا فى تحمل الانتظار، وكان يستقبل المرضى حتى من محافظات مجاورة.
ومنذ عام، قررت أن أقوم بزياته بصفة صحفية لإجراء حوار معه حول مسيرته ومساعدته للفقراء، ورأيت أن قصة حياته تستحق أن نلقي عليها الضوء عبر "اليوم السابع"، من أجل معرفة ما يتمناه فى محاولة لرد الجميل له على ما فعله مع أهل القصاصين، ولصعوبة الوصول له والحديث معه مباشرةً بسبب الازدحام، أخبرتنى مساعدته، أنه يرفض الظهور الإعلامى، فالوقت الذى سوف يستغرقه فى إجراء حوار المرضى أولى به، ورفض المقابلة لإجراء الحوار، بعدها بفترة تعرض نجلى لآلام فى الأذن، فقررت التوجه إلى عيادته وقولت لنفسى فرصة التقى به، وأعرض عليه الأمر، وانتظرت ساعات حتى يأتى دورى، حيث لا يوجد أى استثناءات فى الكشف، وأثناء الكشف على نجلى طلبت منه إجراء حوار حتى لو بضع دقائق، فرض بشدة، وقال إن عمله لله، ولا يريد إجراء مقابلات صحفية أو تكريم، فسألته ماذا تتمنى، بعد هذا العمر الكبير فى خدمة المرضى والفقراء، فقال لا أريد إلا الستر والصحة حتى أستطيع أن أكشف على المرضى.
الدكتور عصام فريد تادرس، طبيب الغلابة فى الإسماعيلية، رغم أنه قبطى إلا أن ساهم فى بناء مسجد بجوار عيادته، وحصل على تكريم من إدارة أوقاف القصاصين.
طبيب الغلابة كان قد تعرض لحادث سرقة وهو ذاهب لعمله قبل استقلاله القطار، حيث قام شابان يقودان دراجة نارية بخبطة على رأسه وسرقة شنطته التي كانت تحتوي على كل شيء خاص به، وقتها قال الأطباء إنه من الصعب العودة مرة أخرى لعمله، لأن الحادث تسبب في نزيف وجلطة، ولن يستطيع أن يحرك قدمه مرة أخرى، لكن طبيب المخ والأعصاب قال وقتها عندما تعافى إن ما حدث معجزة، بسبب دعوات الغلابة.
حقًا وراء كل إنسان نجاح وصابر امرأة معينة ومعضدة لمواقفه، وهو ما تقوم به زوجته الدكتورة ماجدة ألفونس، الطبيبة البيطرية التي استقالت من عملها للتفرغ لمساعدة الدكتور عصام ومرافقته في رحلته اليومية من الزقازيق إلى القصاصين، عبر القطار.
أعمال الخير ليست فقط في ثمن تذكرة الكشف التي لا تتعدى 10 جنيهات، ولكنه يقوم بالكشف مجانًا على مستقلى القطار الذي ينقله إلى عيادته في القصاصين وهي الرحلة التي كانت تحدث يوميا قبل أن يتقادم في العمر وتقتصر على مرتين أسبوعيا.
رحل عن عالمنا الدكتور محمد مشالي، لكن لا يزال بيننا نماذج عديدة لـ"طبيب الغلابة"، لا ينبغي انتظار أن يرحلوا عن عالمنا للاحتفاء بهم، لذلك أضم صوتي لأصوات أهالي وأبناء محافظة الإسماعيلية، لتكريم "طبيب الغلابة" وإطلاق اسمه على أحد شوارع مركز ومدينة القصاصين، لأن ما قدمه ليس بالقليل في عالم الطب ورسالته السامية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة