1 - ورب ساع بجهده إلى مهلكته. هذا عبارة منسوبة إلى سيدنا على بن أبى طالب، كرم الله وجهه.
2 - وقديما قال الشاعر: نهاية أقدام العقول عقال، وآخر سعى العالمين ضلال، وليس لنا من علمنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا، وكم من جبال قد على شرفاتها رجال، فبادوا والرجال رجال.
3 - نشأت مدرسة فى الغرب اسمها العبثية (absurdism) وهى فلسفة تتلخص فى أن مجهودات الإنسان لإدراك معنى الكون دائما ما تنتهى بالفشل الحتمى «وهى لذلك عبثية» ذلك لأن هذا المعنى المنشود غير موجود أساسا، على الأقل فيما يتعلق بالفرد. ومصطلح «عبثى» فى هذا السياق لا يعنى «غير ممكن منطقيا»، وإنما «غير ممكن إنسانيا». والعبثية هى الصيغة الأكثر شمولا لـ«اللاأدرية» فى مبدئها أن الإنسان لن يتمكن قط من أن «يعرف».
4 - العبثية لها باع طويل فى علم الأدب والفكر، فهى تستخدم الرّوايات والمسرحيات والقصائد التى تركزّ على تجارب الشّخصيات فى الأوضاع التى لا يستطيعون فيها إيجاد هدفٍ أصيلٍ فى حياتهم، أو أن تسير بهم حياتهم عكس ما كانوا يخططون أو يحلمون، وغالباً ما تتمثل هذه الأوضاع بأحداثٍ وأفعالٍ لا معنى لها مطلقاً.
5 - هذه مدرسة عميقة فى فهم العقل البشرى والسلوك الإنسانى. وعلى الرغم من أنّ قدراً كبيراً من هذه النّصوص الأدبية المنتسبة للمدرسة العبثية فى الفكر تشتمل على روح الدّعابة واللاعقلانية فى الطّبيعة والمجتمع، فإن السّمة المميزة لها ليست الكوميديا ولا الهراء وإنّما دراسة السّلوك الإنسانى تحت ظروف تظهر وكأنها بلا هدف وعبثية فلسفياً، سواءً كانت هذه الظروف واقعية أم خيالية.
6 - آلبير كامو يرى أن حياة الإنسان عبثية مثلما كان الحال مع سيزيف، ذلك الفتى الإغريقى الأسطورى الذى قدّر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد، وهكذا للأبد. وكامو يرى فيه الإنسان الذى قدر عليه الشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل، فيلجأ إلى الفرار إما إلى موقف شوبنهاور التشاؤمى من الحياء، فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادى أو بالانتحار، وإما إلى موقف الآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة (أى انتظار حياة أفضل بعد الموت ومن ثم التكيف مع الواقع المعاش) أو البديل الثالث وهو موقف التمرد على اللامعقول فى الحياة مع بقائنا فيها غائصين فى الأعماق ومعانقين للعدم، فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين. وهذا التمرد هو الذى يضفى على الحياة قيمتها.
7 - من النصوص التى تترجم هذه العبثية فى واقعنا المعاصر هى كلام منتشر على وسائط التواصل الرقمى مثل قول أحدهم: لكى تعيش هذه الحياة عليك أن تتعايش وتتكييف مع جموحها وجنوحها، مع جنونها وهدوئها، مع جمالها وبشاعتها، مع عدلها وظلمها، مع بياضها وسوادها، مع أعاصيرها ونسائمها، لكى تعيش عليك أن تتجاهل وتنسى أو تتناسى، بل عليك أحيانا أن تتغابى، لأن الفهم يمكن أن يشكل ضغطا على أعصابك وخطرا على صحتك، عليك أن تتوقع الأسوأ وتفرح بالممكن، وتقتنع بما هو مكتوب لك، وتتقبل ما تفعله الحياة بك، لأنه بكل بساطة مصيرك وقدرك، حتى تعيش هذه الحياة لا تأخذها كثيرا على محمل الجد، فأنت فى مطلق الأحوال لن تخرج منها حيّا.
8 - لا مانع أن نكون عبثيين بعض الوقت، حتى ننجو من ضربات الحياة المؤذية لنا نفسيا وعقليا وصحيا.
9 - اعبثوا تصحوا، بعض الوقت.
هذا ما أمكن إيراده وتيسر إعداده وقدر الله لى قوله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة