عندما بعث النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، تغيرت الدنيا، ولم يعد العالم كما كان من قبل، لكن ماذا حدث لحماية الرسالة المحمدية، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ بن كثير، تحت عنوان "فصل فى منع الجان ومردة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن":
لئلا يختطف أحدهم منه ولو حرفا واحدا فيلقيه على لسان وليه فيلتبس الأمر ويختلط الحق، فكان من رحمة الله وفضله ولطفه بخلقه، أن حجبهم عن السماء كما قال الله تعالى إخبارا عنهم فى قوله: "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسا شَدِيدا وَشُهُبا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابا رَصَدا * وَأَنَّا لَا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِى الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا" "الجن: 8-10".
وقال تعالى: "وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء: 210- 212".
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، وهو الطبرانى، حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبى مريم، حدثنا محمد بن يوسف الفريابى، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحى فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعا فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فتكون باطلا.
فلما بعث النبى ﷺ منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك.
فقال لهم إبليس: هذا لأمر قد حدث فى الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله ﷺ قائما يصلى بين جبلين، فأتوه فأخبروه.
فقال: هذا الأمر الذى قد حدث فى الأرض.
وقال أبو عوانة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: ما قرأ رسول الله ﷺ على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله ﷺ، وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم.
فقالوا: ما لكم؟
قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب.
فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها.
فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة، وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له.
فقالوا: هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَبا * يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدا". "الجن: 2".
فأوحى الله إلى نبيه ﷺ: { قُلْ أُوحِى إِلَى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } الآية [الجن: 1] . أخرجاه فى "الصحيحين".
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع، فإذا نزل الوحى سمعت الملائكة صوتا كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجدا فلم يرفعوا رؤسهم حتى ينزل.
فإذا نزل قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فإن كان مما يكون فى السماء.
قالوا: الحق وهو العلى الكبير، وإن كان مما يكون فى الأرض من أمر الغيب، أو موت، أو شيء مما يكون فى الأرض تكلموا به.
فقالوا: يكون كذا وكذا فتسمعه الشياطين فينزلونه على أوليائهم، فلما بعث النبى محمد ﷺ دحروا بالنجوم فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه فيذبح كل يوم شاة، وذا الإبل فينحر كل يوم بعيرا، فأسرع الناس فى أموالهم، فقال بعضهم لبعض:
لا تفعلوا فإن كانت النجوم التى يهتدون بها وإلا فإنه لأمر حدث، فنظروا فإذا النجوم التى يهتدى بها كما هى لم يزل منها شيء فكفوا وصرف الله الجن فسمعوا القرآن فلما حضروه قالوا: انصتوا وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه.
فقال: هذا حدثٌ حدث فى الأرض، فأتونى من كل أرض بتربة، فأتوه بتربة تهامة، فقال: ههنا الحدث.
ورواه البيهقي، والحاكم، من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة