في حديث مرتب للغاية من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء حول التعديات التي حدثت في ملف مخالفات البناء، جاء السياق السليم في نص حديثه، حول ماحدث في مصر في السبعينات والثمانينات، حينما ذكر أن المواجهة الحاسمة كانت ستغنى الدولة عن كثير من المعاناة التي نشعر بها الآن، وكان الدكتور مدبولى صادق كل الصدق، لأنه رجل تخطيط وتعمير، ويعلم تماما متواليات وتراكمات الأوضاع، وماقد ينتظره بعد سنوات وعقود، وهو أحد الواضعين لخطة تعمير مصر أيضا طوال رحلة عمله، كانت مقولته العابرة تدل على وضع كارثى ومأساوي آلت إليه مصر منذ عقود سواء بقصد من شخصيات فضلت مصلحتها الشخصية على حساب الوطن، أو عن جهل وتسيد لوجوه فاسدة، لاتقدر على الحلم والتطوير والتحديث.
فلو تخيلنا أن تلك الدولة المصرية برجالها وكل رؤاها وخططها وتحركاتها، كانت موجودة بعد عام من حرب أكتوبر 1973، وتحديدا في عام 1974، حينما كانت مصر خارجة منتصرة من الحرب، ولديها التضافر الشعبى والزخم الذى يسند الدولة، وهى ظروف مشابهة لما حدث بعد 30 يونيو، لكن وقتها لم يكن هناك إخوان وخونة وسوشيال ميديا مدمرة، وأطراف استخباراتية تجلس ليل نهار بهدف تقويض مصر، فلو حلمنا ووضعنا الصورة أمامنا..
كيف لنا أن نتخيل تلك الدولة وقتها، دولة تنشئ كبارى وطرق واسكان اجتماعى ومتوسط ومدارس ومستشفيات وتطور وتحدث الجيش، وتقوم التعليم والصناعة والزراعة، ولم يكن هناك حاجة للتصالح في مخالفات البناء، لأن الأحوزة العمرانية كانت ممتدة ويمكن تخطيطها، وكان يمكن للدولة وقتها البناء والتعاون مع الدول كافة، فهى دولة شابة وخرجت توها من حرب منتصرة، وأمامها كافة الخطط ومعها 37 مليون مصر وقتها فقط، نعم كان تعداد مصر يقارب ذلك الرقم، فلم يظهر وقتها أزمة السكان بشكلها الفج الحالي، ولم تكن مشاكل العشوائيات، وآلاف المشاكل والمشاكل التي خرجت على السطح منذ السبعينات والثمانينات، نعم كل ما نواجهه الآن يمكن نسبته للعقدين المذكورين، وبعدهما تفاقمت الأوضاع كليا في التسعينات ومابعدها، ولولا قدر الله بدولة 30 يونيو ورجالها، لكانت مصر في خبر كان، وكنا زماننا نبحث عن من يمدنا بالمال والمساعدات وكل سبل الحياة، ولكن قدر الله كان أكبر من كل شيئ، وكما قال الرئيس السيسى نفسه :" دايما يد القدر لها إجراءات لايمكن التنبؤ بها".