نفكر أحيانا كثيرة فى حياة الشيطان، كيف هى، ومن أين جاءت ذريته، وما لذي تقوله كتب التراث فى ذلك؟ من المؤكد أن للشيطان "ذرية" فقد وردت نصوص كثيرة تؤكد ذلك، واستدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى فى أزواج أهل الجنة فى سورة الرحمن (لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ) والطمث فى لغة العرب: الجماع، وذكر السفارينى (إن الجن يتوالدون، كما يتوالد بنو آدم، وهم أكثر عدداً) وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح، فإن الآية صريحة فى أن الجن يتأتى منهم الطمث، كما تقول سورة الكهف (أفتتخذونه وذريَّته أولياء من دونى وهم لكم عدو) وقال قتادة "أولاد الشيطان يتوالدون كما يتوالد بنو آدم، وهم أكثر عدداً ".
فى كتاب أساطير مقدسة لـ وليد فكرى، يورد القصص والحكايات الغريبة التى تتعلق بوجود الشيطان فى الأرض، فيقول: "لما أنزل إلى الأرض حاول أن يختلط بالجن، الذين كانوا قد طردوا إلى الجزر والخرائب والجبال، فنفروا من هيئته الجديدة، وكان قد عوقب بتبديلها لهيئة بشعة، ورفضوه إلا بعضهم من العصاة، فأصبحوا من جنوده وانضموا إلى زمرة الشياطين".
ويصف كتاب عرائس المجالس لـ الثعالبى هبوط إبليس ويسميه الحارث ويكنيه بـ أبو مرة.
ويتابع الكتاب أن الروايات تقول بأن الله ألقى على إبليس شهوة مزدوجة، شهوة كل من النساء والرجال، وكان قد جعل له فرجًا فى أحد فخذيه وعضوًا ذكريا فى الآخر، فنكح نفسه، فباض بيضات خرج منها نسله، وقيل بل ألقى الله عليه الغضب فطارت شظية نار منه فخلق منها الله زوجته، وقيل كذلك إنه قد تزوج الحية التى ساعدته فى دخول الجنة.
وتقول الكتب "ونسله ليسوا من الشياطين فحسب، بل إن منهم المسوخ والغيلان التى تقف للإنسان بالخلاء فتستدرجه وتعبث به فتقتله أو تصيبه بالجنون".
ويذكر القزوينى بعض هذه الشياطين فى كتابه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" فمنها الغول، وهو على حد وصفه "الشيطان إذا حاول استراق السمع من السماء فأصابه شهاب فهوى إلى الأرض يتحول إلى غول" ومنها "السعلاة" وهى إذا ظفرت بالإنسان فى الخلاء لعبت به كما تلعب القطة بفرائسها، ومنها "الدلهاب" وهو راكب على نعامة يتعرض للمسافرين بالمراكب ويخطفهم، ومنها شياطين موكل كل منها بمهمة، فواحد مختص بسفك الدماء، والثانى للنواح وضرب الوجوه عند المصائب، وثالث للمعازف ومجالس الخمر، ورابع للأسواق والتشاجر فيها، وخامس للوسوسة للأنبياء وهكذا، وكل هؤلاء يحمهم إبليس من فوق عرشه المنصوب على الماء.
ويقول كتاب "أساطير مقدسة" هذه الرواية عن الشيطان يبدو فيها التأثر بمزيج من الخرافات الشعبية القديمة والقصة التوراتية للشيطان، فأما عن الخرافات الشعبية فمنها نسب الغول لإبليس، والغول كائن أسطورى كان العرب قبل الإسلام يعتقدون بوجوده، ويتناقلون أخبار من التقوه فى الطريق بل وحاربوه وقتلوه، وعلى غراره بقية المسوخ المذكورة، وهى ما نرى لها نماذج مشابهة فى ثقافات عدة، كعرائس البحر التى تضل البحارة.
وذكرت الموسوعة الشاملة لـ فتاوى دار الإفتاء المصرية، بعنوان "ذرية إبليس" والمفتى فيها "عطية صقر" فى مايو 1997، يقول الله تعالى "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو" الكهف : 50، تفيد هذه الآية الكريمة أن إبليس له ذرية، ولكن كيف أتت هذه الذرية؟ ومع أن معرفة الجواب ليست مهمة لكن العلماء شغلوا أنفسهم به، فنقلوا من الأقوال ما نقلوا واستنبطوا ما شاء لهم الاستنباط وذكر القرطبى حديثا فى ذلك قال إنه صحيح وهو "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فبها باض الشيطان وفرَّخ " ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبى بكر الباقلانى أنه خرجه فى كتابه عن سلمان عن النبى صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا الحديث يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه كما قال القرطبى وهو موافق لما جاء فى الآية الكريمة فإن عبارة "باض الشيطان وفرخ " ليست نصا قاطعا فى أن الذرية نتجت عن وضع الشيطان للبيض ثم التفريخ كما يحدث للطيور، فقد يكون المراد ذرية إبليس يكثر وجودها فى الأسواق من أجل الإفساد .
يقول القشيرى أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعا وذرية وأنهم يوسوسون إلى بنى آدم وهم أعداؤهم، ولا يثبت عندنا كيفية فى كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح . انتهى، وهذا هو الكلام الصحيح .
يقول الشعبى : سألنى رجل فقال : هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك عرس لم أشهده، ثم ذكرت قوله تعالى "أفتتخذونه وذريته أولياء" فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت نعم.
وينقل القرطبى "ج 10 ص 420 " عن مجاهد أن إبليس أدخل فرجه فى فرج نفسه فباض خمس بيضات، فهذا أصل ذريته، وقيل : أن الله تعالى خلق له فى فخذه اليمنى ذكرا، وفى اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة، فهو يخرج وهو يطير، ذلك بعض ما فى الكتب وغيره كثير مما أربأ بالمسلمين اليوم أن يعنوا به.