"المقاومة".. شعار رفعه قطاع كبير من رعاة الإرهاب في العالم، في العقود الماضية، لتبرير دعمهم للميليشيات المتطرفة هنا وهناك في منطقة الشرق الأوسط، تحت ذريعة الاحتلال الإسرائيلي ودعم فلسطين، في الوقت الذى لم توجه فيه تلك الجماعات رصاصها لتحرير القدس، أو لمجابهة الدولة العبرية، بينما قاموا بتصدير الموت إلى الشعوب العربية، فلم ينجو منهم مدنيا أو عسكريا أو كنيسة أو مسجد، ليصبح هدفهم الحقيقى إشاعة الفوضى لتحقيق أحلام التوسع لدى أنصارهم، فصاروا تهديدا أقوى للعالم العربى في صورته الكلية، وللقضية الفلسطينية تحديدا، خاصة إذا ما كانت تلك التنظيمات هي الأخرى ذريعة إسرائيل لوصم العرب بـ"الإرهاب" أمام العالم، مما يبرر ما ترتكبه من انتهاكات.
المقاومة المزعومة سعت لتقويض المجتمع العربى بأسره، ليكون داعما لإسرائيل التي سعت لإخراس العالم عن الحق الفلسطيني، ليجردوا فلسطين من داعميها العرب، وعلى رأسهم مصر، والتي دفعت دماء الألاف من أبنائها، من أجل القضية، وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة لتبنى استراتيجية جديدة، ذات مسار مزدوج، تقوم في أحد أبعادها على دعم فلسطين، بينما تحمل في جانبها الأخر مهمة إنقاذ الوجود العربى من أطماع مستعمرين أخرين يسعون للتوسع على حساب الأراضى العربية.
وهنا تبدو الأهمية الكبيرة للتوجه الذى آثرته دولتى الإمارات والبحرين، والذى سبقتهما فيه مصر قبل أكثر من 4 عقود من الزمن، والذى يمكننا تسميته بـ"المقاومة الناعمة"، في ظل مشهد دولى أحادى، مازالت تقوده الولايات المتحدة، والمعروفة بانحيازها منذ البداية لصالح الدولة العبرية، فالجنوح للسلم من شأنه التأثير بصورة كبيرة على القرار الأمريكي، خاصة وأنه يمثل انتصارا كاسحا للإدارة الحاكمة على الساحة الدولية، قبل أسابيع من انطلاق الانتخابات الرئاسية، وبالتالي يمكن استثماره لخدمة فلسطين من جانب، والمصلحة العربية الكلية من جانب أخر.
فلو نظرنا إلى حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، نجد انحيازا أمريكيا صريحا لصالح القوى غير العربية في المنطقة، تجلى في أبهى صوره في الاتفاق النووي الإيراني والتقارب الكبير مع تركيا، على حساب القوى العربية الرئيسية، في انعكاس صريح لتماهيهما مع المصالح الإسرائيلية رغم الشعارات الحنجورية التي طالما رفعوها تحت إطار "المقاومة المزعومة، بينما كان العرب، بحسب الدعاية العبرية والتي لاقت قبولا دوليا، مجرد دعاة حرب، لا يستحقون، رغم قضاياهم الوجودية، أي قدر من التعاطف.
ولعل الخطوة العربية، والتي أطلقتها الإمارات والبحرين مؤخرا، أتت بثمارها، عبر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن عدم ممانعته في تقديم أسلحة أمريكية لأبوظبى تضاهى ما تمتلكه إسرائيل، في انعكاس صريح لحالة من الثقة، بالإضافة إلى ضمان عدم قيام واشنطن بأى خطوة جديدة نحو طهران دون التوافق مع جيرانها العرب، على عكس أوباما الذى تجاهل مخاوف دول الخليج، عندما أقدم على توقيع الاتفاق النووي قبل 5 سنوات.
المقاومة العربية، في صورتها الجديدة، تطغى عليها الدبلوماسية، مما يساهم في تحقيق أكبر قدر من الفوائد لفلسطين، وحماية أراضيها من أية مخططات مستقبلية، كما كان الحال مسبقا مع مصر، والتي تمكنت عبر مبادرة السلام التي قدمها الرئيس الراحل أنور السادات، استعادة كل شبر من أراضى سيناء، وهو الأمر الذى لم يكن من الممكن تحقيقة بالحرب فقط، في انعكاس صريح لجدوى الدبلوماسية، باعتبار سلاح يمكن اعتماده في المقاومة لتحقيق مكاسب سياسية للفلسطينيين، بالإضافة إلى تخفيف جبهات المواجهة، في ظل تنامى أطماع القوى التوسعية في المنطقة في المرحلة الراهنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة