برحيل رجل الصناعة محمد فريد خميس، تنطوى صفحة مهمة من صفحات الاقتصاد، فقد ترك الراحل امبراطورية صناعية ضخمة، قامت على مدى عقود، وقدمت إحدى العلامات التجارية والصناعية التى احتلت مكانها محليا وعربيا وعالميا، فهو رجل صناعة حقيقى بنى هذه القلعة خطوة وراء أخرى، وفضلا عن ذلك كان يفخر بناصريته، وإيمانه بدور الدولة فى التنمية، وهو رأى كان يبدو مختلفا مع كثير من رجال المال والأعمال، ممن كانوا يرفضون دور الدولة فى التنمية والحرية الكاملة لرأس المال، من دون تدخلات.
كان فريد خميس مؤمنا بفكرة الصناعة الوطنية، يتحدث بإعجاب عن تجربة جمال عبدالناصر للتنمية المستقلة والتصنيع، وتجربة طلعت حرب للصناعة الوطنية، والتجربة السياسية لحزب الوفد، ولا يرى تناقضات فى كل هذا، ويراها تنوعا لتجارب وطنية تسلم بعضها، إنسانيا هناك الكثير من الحكايات عن مواقف للراحل محمد فريد خميس، يدعم فيها مبادرات اجتماعية أو إنسانية أو وطنية، وكان يفعل ذلك ببساطة ومن دون ادعاء.
الراحل كان رجل صناعة عصاميا، واتسعت صناعاته لتنتقل من مصر إلى الصين والولايات المتحدة، وترك إرثا صناعيا ومعه إرث إنسانى وأفكار تكونت بالدراسة والخبرة عكستها آراؤه وأفكاره التى طرحها على مدى سنوات، وكثيرا ما كان يشير إلى أنه بما يقدمه من مبادرات إنسانية واجتماعية، إنما يرد دين مصر عليه وعلى رجال الصناعة، وأن ما يقدمونه هو أقل كثيرا مما يجب.
وكثيرا ما كان محمد فريد خميس يصرح بكونه مع الضريبة التصاعدية على رجال الأعمال، والدور الاجتماعى والثقافى للمؤسسات الصناعية، وكان يفعل ذلك بشكل طبيعى، ويعلن دعمه لأى مبادرات اجتماعية، مبكرا جدا كان يحرص على التقاء أوائل الجامعات وتعيينهم فى شركاته، ووفر للعاملين فى شركاته ضمانات مادية وإنسانية وصحية، تشير إلى أنه كان يفكر كرجل صناعة، يعرف أن رأس المال البشرى أهم أدوات الإنتاج، وحرص على الجمع بين الخبرة والدراسة فى العمل الصناعى، واستثمر فى مؤسسات تدريبية وتعليمية، ومن أوائل من دخلوا مجالات التعليم من خلال أكاديمية الشروق ثم الجامعة البريطانية.
وقد اقتربت من رجل الصناعة الراحل مرات كثيرة، ووجدته حريصا على الاستعانة بالعلماء وأهل الخبرة، وفى مجلس أمناء الجامعة البريطانية كان يحرص على الاستماع لآراء ومبادرات العلماء الكبار من أمثال العلامة مجدى يعقوب، والدكتور فاروق الباز، وعندما تحدث بعضهم عن أهمية مد جسور التعاون العلمى مع أفريقيا، قدم الراحل عشرات المنح المجانية الكاملة لطلاب أفارقة فى جامعته وأكاديمياته، وكان يرى أن الاتجاه المصرى نحو أفريقيا هو استعادة لدور ضرورى واستراتيجى.
هناك الكثير مما يروى عن رجل الصناعة الراحل، الذى يمثل جيلا مهما من البنائيين فى الصناعة والاقتصاد، وحرص على الجودة والمنافسة فى صناعة حملت اسم شركته كأحد المنتجات التى حملت اسم مصر بالخارج، وترك خلفه مؤسسة صناعية وتعليمية مهمة ومبادئ تستحق أن يرعاها من يأتى بعده.