أحمد إبراهيم الشريف

بساتين البصرة" لـ منصورة عز الدين.. لا تحلم بزهور الياسمين

السبت، 26 سبتمبر 2020 12:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"بالأمس أكلت قمرا" بهذه الجملة تبدأ رواية "بساتين البصرة" للكاتبة المهمة منصورة عز الدين، وبالطبع فإن هذه الجملة تؤكد أننا سنلتقي أمواجًا من "الخيال" داخل العمل، وبالفعل، سنجد خيالًا ولغةً ومصائر وفنًا روائيًا.
 
تحكى الرواية عن "هشام خطاب"، وعن يزيد بن أبيه، عن أحلامهما الخطيرة التى تهدد كل شيء، تحكى عن زمنين، زمن الحسن البصرى وواصل بن عطاء، وزمن الثورة المصرية فى يناير 2011  وما قبلها وما بعدها.
 
فى "بساتين البصرة" تحركت منصورة عز الدين من زاوية القدرة على الفعل، بمعنى أن الرواية كانت واضحة جدا فى "ذهنها" كانت مكتملة من جميع نواحيها، تشعر جيدا بأزمة "هشام خطاب"  معاناته، بإنكاره لواقعه، ببحثه عن زمن يكون فيه أكثر فاعلية، فهو يعرف جيدا أنه "ضحية"، لكن شعوره بأنه ضحية ينقصه شيء ما، تنقصه الدراما، بمعنى أن نسبة الدراما المحيطة به لا تليق بمستوى الألم الذى يحس به، لذا سعى لاستحضار زمن سابق، مدعيًا أنه "يزيد بن أبيه" الذى تعرض للخيانة على يد أقرب أصدقائه إلى نفسه "مالك بن عدى النساخ  " مفسر أحلامه، وتعرض للغدر على يد زوجته "مجيبة"، تلك الجاهلة التى عبر بها ظلمة الجهل، لكنها لم تر سوى دنانيره الذهبية المخبأة فى ركن من الدار، وبالتالى سعى "هشام خطاب" لصنع الدراما في حياته فتعامل  برد فعل عنيف تجاه "ميرفت" وتجاه أمه، لا أريد أن أصدق أنه كان سببًا فى موت أمه، غرقًا فى النيل.
 
أمه "ليلى" امرأة دفعت ثمنًا كبيرًا لاختيار خاطئ، امرأة لم تجد سوى الحنين إلى "عقد كهرمان" ربما كان سينقذها مما هى فيه الآن، امرأة لديها حنين حقيقى إلى شقيقها "مراد" الذى لم تره منذ فرت من البيت صبية ساعية خلف "غريب" ليس له اسم، ظنته فى لحظة ما "حقيقة"، لكنه واصل تفلته حتى مات فى تغريبته الليبية، عاشت "ليلى" فى الرواية شجنًا كاملًا مصبوغا بسنوات التعب والألم والأغنيات الحزينة، بالإحساس بخواء القلب واليد.
 
في الرواية لن نجد فارقًا كبيرًا بين الأب "الغريب" وبين الأستاذ "الزنديق" الذى كان يسرق أفكار "هشام" ومجهوده، وربما لهذا انتقم "هشام" من أستاذه، وفى داخله كان ينتقم من الأب، الذى يزداد شعورنا ناحيته بالنفور عندما نتعرف على شخصيتى الحسن البصرى، وواصل بن عطاء، لقد وقعت الرواية فى هواهما، فقدمتهما "ناضجين" فى كل شيء فى دينهما ودنياهما.
 
ستدفعك الرواية للبحث عن "الياسمين" وتأمله، بالاقتراب منه ومساءلته، ستفكر فى التناقض الذى يجمع بين بياضه وسواد قلوب من يتحدثون عنه، ستتعجب كيف ينبت على قبر "مظلوم" كان يسعى لخلاص روحه باتخاذه سبيل الزهد، ستتنبه كلما قرأت كلمة عن زهرة، وتقول كيف سيكون معناها لو كتبت عنها منصورة عز الدين.
 
أما منصورة عز الدين فكلما قرأت لها، فإننى بقدر متعتى بما أقرأه، أجدنى أفكر فى مفهومها للكتابة، يعجبنى أن للرواية لديها معنى وللبناء دلالة، لا تسترسل والسلام، بل تسير فى خطوات ثابتة - لا تفقد جمالها - إلى ما تريد من صياغات محكمة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة