محمد ثروت

قراءة جديدة لـ"هيكل" بعيدا عن دراويشه وناقديه

السبت، 26 سبتمبر 2020 09:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 تحل علينا الذكرى الـ97 لميلاد الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل (1923-2016)، وقد صدق فيه قول أبي الطيب المتنبي عن نفسه: أَنامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا/ وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ. والمعنى هنا أنه ملأ الدنيا وشغل الناس، يغمض جفنيه مرتاحا والناس حيارى في تفسير ما كتب، وهكذا كان هيكل في حياته وسيظل كذلك بعد مماته مثيرا للجدل.

لم يجرؤ أحد من الباحثين والمؤرخين في وضع كتابات هيكل تحت مجهر البحث العلمي ومناهجه وأدواته، باستثناء رسالة ماجستير للكاتب التونسي رياض الصيداوي عن هيكل بين 1952 و1981 أي مرحلة ما بعد ثورة 23 يوليو وحتى نهاية عصر الرئيس الراحل أنور السادات. بخلاف ذلك كانت معظم الكتابات شخصية وانطباعية وإنشائية، مدحا أو نقدا، وظهرت مرحلة تصفية الحسابات مع هيكل في كتابات موسى صبري الذي ذكره صراحة في كتابه" السادات: الحقيقة والأسطورة"، وتلميحا ورمزا في رواية “دموع صاحبة الجلالة".

أما أحد دراويش "الأستاذ" فقد انقلب من أكبر تلامذته ومعجبيه إلى ناقد له لمجرد أنه لم يحضر عيد ميلاده. وانقسمت الآراء حول هيكل بين ناصريين وساداتيين وقوميين وليبراليين، ويسار ويمين، وضاعت الكثير من الحقائق العلمية حول هيكل وما يمثله من ذاكرة من لحم ودم للتاريخ المصري في العصر الحديث.

من بين تلك الحقائق أين وضع هيكل وثائقه وملفاته السرية؟ خاصة أن ما سلمته أسرة هيكل لمكتبة الإسكندرية هي مكتبته وما تحتويه من كتب وبعض الأوراق أو مسودات كتب ومقالات ومقتنيات شخصية عادية، لكن الوثائق كلها موجودة خارج مصر منذ الخلاف بين هيكل والسادات. خاصة أن سلاح الوثائق والمعلومات هي التي أكسبت هيكل مكانة متفردة بين أقرانه من كتاب وصحفيي عصره. وقد عرف عن هيكل جمع الوثائق من كل مكان وبأي ثمن.

لقد بلغت مجموعة مؤلفات الأستاذ هيكل 26 مجلدا، تضم الكتب التي نشرها في حياته بداية من إيران فوق بركان (1951) وحتى سلسلة مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان وماذا جرى في مصر ولها ومصر إلى أين؟ ما بعد مبارك وزمانه (2012).  

أما نشر بعد وفاته فهي إما حوارات صحفية أو انطباعات عامة لا يمكن التأكد من صحتها، ما دامت غير موثقة، وهنا تبرز أهمية البحث عن وثائق "هيكل" التي كانت تنشر مبتورة أو مقتطعة من سياقها في كتبه، وهي بين برقيات سرية ورسائل للملوك والزعماء والسياسيين والدبلوماسيين ومحاضر اجتماعات ومنشورات سرية وغيرها من الوثائق.

إن قراءة تراث هيكل بدون الاطلاع على الوثائق ومقارنة رواياته الشخصية بروايات شهود العيان وصناع الأحداث، وإخضاع كتاباته لمناهج البحث التاريخي، لا يمكن اعتبار ذلك تاريخا بل سياسة وتحليلات وآراء شخصية

ومن الخطأ بمكان أن يتعامل المؤرخين والكتاب مع علاقة هيكل وعبد الناصر على أنها علاقة كاتب للسلطة، فقد كانت هناك صداقة شخصية وتوافق نفسي بين ناصر المثقف وهيكل المعلوماتي، فصارت أفكار عبد الناصر يعبر عنها هيكل، وأصبح هيكل شريكا وليس مجرد كاتبا. فقد أسهم في صناعة أحداث تاريخية كبرى مثل ميثاق العمل الوطني وخطاب التنحي لـ عبد الناصر عقب هزيمة 1967، وصاغ قوانين تأميم الصحافة والإعلام.

يجب التمييز بين الكتب التي قام هيكل بتأليفها بشكل سريع يعبر عن مواقف شخصية مثل: يا صاحب الجلالة عن الملك سعود والوحدة مع سوريا وكتابه بين الصحافة والسياسة حول قضية مصطفى أمين وخريف الغضب بعد اغتيال السادات، وبين الكتب التي تضمنت تحليلا سياسيا مثل: ملفات السويس وأكتوبر 73: السلاح والسياسة، وعواصف الحرب وعواصف السلام، والمفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل.

ولا يخفى على المؤرخين والباحثين كذلك التمييز بين مقالات "بصراحة" التي كتبها هيكل لمدة 17 عاما طوال عمله على قمة صحيفة الأهرام (1957-1974) وبين المقالات التي نشرت خارج مصر في الصحف العربية والأجنبية وسياقات وظروف تلك المقالات، وكذلك اتجاه هيكل للتليفزيون لنشر أفكاره باعتباره الوسيلة الأكثر انتشارا بعد إعلان اعتزاله الكتابة 2003(استئذان في الانصراف) واختلاف سياقات التجربة بين "مع هيكل: تجربة حياة" (2004)، حيث قدم ذكرياته بنفسه وبين كونه ضيفا يخضع لمن يحاوره من أشهر مقدمي البرامج.

إن هذا التراث الصحفي والمعلوماتي والتحليلي لـ "هيكل" يحتاج إلى فريق بحثي كامل، يصنف ويرتب ويخضع ما تركه هيكل للبحث والتحليل والتفسير والقراءة العلمية، بعيدا عن أية مؤثرات لأنصاره وخصومه، تحليل للغة والأسلوب والخطاب السياسي والصحفي وقراءة الوثائق وأبعادها وترميم المنقوص والمخفي منها، وعندئذ سيصبح لدينا تاريخ آخر لمصر والعرب والعالم. أفلا تعقلون؟







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة