لم أر معترضاً على تطبيق القانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن التصالح فى بعض مخالفات البناء وتقنين الأوضاع والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2020، إلا ووراءه هدف أو مصلحة شخصية، لأنه في المجمل لا يمكن أن نجد داعما للقبح وللعشوائيات إلا كل كاره للنظام، أو من لديه مصلحة ورغبة في استمرار العشوائية.
والغريب أن من يعترض على ما تقوم به الدولة حالياً من ضبط لمنظومة البناء، هو نفسه من سبق وطالب الدولة بالتدخل لمواجهة الخلل والعشوائية التى سيطرت على حياتنا، فكم كنا نشكو من مخالفات البناء، والتعدى على الأراضى الزراعية، وتحولها إلى كتل خراسانية؟.. وكم اشتكينا من تراخى الدولة في مواجهة هذه الخروج على القانون؟.. وكم مرة تسألنا عن اليوم الذى تضع الدولة يدها على هذه المشكلة، وتقف بالمرصاد للمخالفين؟.. كنا جميعاً نطالب الدولة بالتدخل، لكنها حينما قررت التدخل وبحسم، وجدنا من يعود ويقول "لماذا الآن؟"، وكأن القبح والعشوائيات من المفترض ان يظل معنا لسنوات أخرى!.
قد يقول البعض أن الاعتراض ليس على التنفيذ وإنما بعض الإجراءات، أو عدم فهم البعض لبنود القانون، وهو قول حق يراد به باطل أيضاً، لإن القانون واضح ويفسر نفسه، كما ان الحكومة ربما من المرات القليلة التي خرجت عبر كل وزراءها المختصين وكذلك المحافظين لشرح كل تفصيله بالقانون، بل وافقت الحكومة على مد مهلة التصالح مرة وأثنين، لأنها في النهاية وهى تهدف إلى القضاء على عشوائيات ومخالفات البناء، فإنها أيضاً تراعى أوضاع المصريين، لكن هذه المراعاة لا يجب أن تكون على حساب النظام العام، أخذا في الاعتبار نقطة في غاية الأهمية، وهى أن غالبية المنتفعين بالعقارات والمبانى المخالفة يعلمون من البداية أنهم يتعاملون مع عقار أو بناء مخالف، وبالتالي فهو لم يفاجأ بما تقوم به الحكومة حالياً، لكنه يريد أن يوهمنا أنه متفاجئا!.
جزء مهم فى الجهد الذى تقوم به الحكومة في قضية مخالفات البناء، وهى أن المحرك الرئيسى هو الحفاظ على أرواح ملايين المصريين، فكم من عمارة سقطت على المقيمين بها، لبنائها بشكل مخالف سواء بزيادة عدد الأدوار عن المسموح به، أو عدم اتباع المعايير الهندسية في البناء، فتكون النتيجة سقوط العقار الذى لم يمر على بنائه أكثر من عامين أو ثلاثة، لذلك جاء القانون ليضع حداً لهذا النوع من التعدى، لإن تقديم طلب التصالح يتبعه تشكيل لجنة هندسية لمعاينة العقار والتأكد من سلامته إنشائيا، قبل التصالح عليه، وهو ما يؤكد أن الدولة حريصة فى المقام الأول على حماية المواطن، والحفاظ عليه، هذا بالإضافة إلى أن قانون التصالح يجعل للعقار المخالف قيمة مضافة، ويمكن صاحب العقار أو المستفيد من التعامل بشكل قانونى على الوحدة أو العقار، فيستطيع الحصول على قرض تمويل عقارى عليه، كما أنه يستطيع تسجيله رسميا فى الشهر العقارى، وهو ما يؤكد أن القانون يساهم فى حل إشكالية التسجيل العقارى الذى كانت تعانى منه الحكومة على فترات متباعدة، فهناك نحو 85 % من العقارات فى مصر غير مسجلة، وهو ما يصعب تقديرها وتثمينها بشكل رسمى، فالثروة العقارية داخل مصر تتخطى الـ6 تريليونات جنيه.
الشاهد الآن، أن تطبيق القانون الخاص بمخالفات البناء والتصالح، أساسه هو الحفاظ على أرواح المصريين، وأيضاً القضاء على العشوائيات والمناظر القبيحة التي حولت مصر إلى كتل خرسانية لا رابط بينها، وهو بالتأكيد تحرك أغضب "طيور الظلام" المستفيدين من استمرار هذه المخالفات، لذلك نراهم يتصدون للحكومة في إجراءاتها وحملتها على المباني المخالفة، فـ"طيور الظلام" لا يهمهم حياة المصريين بقدر اهتمامهم بزيادة ثرواتهم.