تكمن قوة مصر الحالية فى شعبها الأبى وجيشها البطل وقيادتها السياسية الواعية، فعلى المستوى الشعبى يدرك المواطن كل تلك المؤامرت التى تحاك فى الخفاء وفى العلن، ويتصدى لها بوعى وضمير يقظ ويلتف حول قيادته السياسية التى نجحت فى جعل القوى الاستعمارية تستسلم للإرادة المصرية أخيرا، وتلك حقيقة واقعة على الأرض، فقد نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى بحنكته السياسية فى تحرير وقيادة 1.2 مليار إنسان من شعوب القارة السمراء الذين أنقذهم من آثار الاستعمار البغيض، بفضل جهوده الحثيثة فى عرض قضايا شعوبها فى المحافل الدولية، حاملا على عنقه هموم وأحزان تلك القارة العجوز.
عقود طويلة عاشتها القارة السمراء تحت وطأة الاستعمار والاستغلال الاقتصادى إلى أن جاء الزعيم المخلص ليقلب الطاولة فى وجوه المستعمرين القدامى والجدد، الذين لا يكفون يوميا عن العبث بأقدار أفريقية فى محاولات ملتوية لابتلاع ثرواتها، وهنا قرر السيسى تحرير القارة وإنقاذ شعوبها من السياسات الاستعمارية التى فرضت عليها التفقير والتجويع والتبعية، زعيم كانت تنتظره شعوب القارة بفارغ الصبر، وبمجرد مجيئه بايعته وكفلته الحديث باسمها فى المحافل الدولية، ليعيد لها حقوقها المسلوبة ويرسم لها مستقبلا أكثر إشراقا.
ومن ثم فقد تحولت الإرادة المصرية الى إرادة قارة بأكملها، وأصبحت التجربة المصرية هى حلم شعوب يبلغ تعدادها مليار ومائتى مليون مواطن، ومع إصرار مصر بثقلها وقوتها ومكانتها على تحرير القارة اضطر الغرب الاستعمارى للاستسلام والاعتراف بأن الهيمنة الاستعمارية الغربية تغيب شمسها الآن، وذلك بفضل العمل الدؤوب للقيادة المصرية لانتزاع حقوق القارة المسلوبة، الأمر الذى اضطر المستعمرون لتغيير نظرتهم الاستعمارية للقارة، ليتحول الفكر الاستعمارى إلى فكر استثمارى، ويتحول نهب الثروات الى منفعة متبادلة من خلال الاستثمارات.
لم يكن المستعمرون مستعدين لتغيير تلك النظرة لولا أن القيادة الجديدة لمصر وأفريقيا رسمت وخططت وهندست بذكاء وتفوق فى التفكير والتخطيط، من خلال تكوين قوة عسكرية باطشة تردع كل أصحاب النظريات الاستعمارية والهيمنة، وتجهض أى محاولات أو مؤامرات لعرقلة المشاريع المصرية، إضافة لإعادة تشكيل خارطة التوازنات العالمية، وهو ما نجحت فيه مصر خلال السنوات الماضية من خلال تغيير تلك الخريطة بشكل كامل، مما حد من نفوذ وهيمنة وسيطرة الغرب على العالم.
وإضافة لكل ما سبق سعت مصر بحنكة قائدها ودعم شعبها لتدمير خطط المستعمرين الجدد وأصحاب المشاريع الاقليمية التوسعية من خلال قطع أياديهم الإرهابية فى ليبيا والسودان، وحصارهم فى الأرض والسماء والبحار، فأغلقت كل المنافذ عليهم لتصبح مصر هى البوابة الوحيدة لأفريقيا، وهذا ما جعل كل القوى العالمية تحرص على كسب ود مصر من خلال الإذعان لإرادتها ودعوتها لقمم الكبار الذين يحكمون العالم، فهذا العالم يتعامل مع مصر الان باعتبارها قارة وليست دولة، وصدق من قال: إنها (أم الدنيا وسأجعلها قد الدنيا).
ولأن مصر محروسة بشعبها وقائدها الجسور وجيشها القوى الذى تحمل كافة الصعاب فى المساهمة الجادة فى إدارة العجلة الاقتصادية فى ظل جائحة كورونا التى عصفت بأعتى الاقتصادات العالمية، لكنها كانت عصية على مصر التى نجحت فى إدارة الأزمة على نحو يجنبها كثير من المخاطر، ولولا الـ 100 مليار جنيه الذى خصصها الرئيس منذ فبراير الماضى، ولولا مبادرته للقضاء على (فيروس سي) اللعين لكان لمصر أرقام ضخمة، وقد ساهم فى الحد من الإصابة أيضا وعى الشعب الذى صدق الرئيس، وذلك فى وقت يتم التحقيق مع رئيس وزراء إيطاليا وثلاثة وزراء بسبب عدم التعامل مع الجائحة بشكل صحى، كما فعلت مصر وأكثر من 77 دوله تعتبر متقدمة فى المجال الصحى، إلا أنها فشلت فشلا زريعا وعلى رأسها الولايات المتحدة وغيرها، ومن ثم علينا أن نقدم جزيل الشكر للرئيس ونشكر أيضا وزيرة الصحة ومن قبل ذلك كله (شكرا للجيش الأبيض) بجميع تخصصاتهم.
ولعل النتائج المبشرة من جانب مؤسسة (موديز) بثبيت التصنيف الائتمانى لمصر عند مستوى (B2) مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد، أكدت نجاح تجربة الدولة المصرية فى قيادة الاقتصاد فى ظل الجائحة، حيث تمتعت بمستويات منخفضة نسبيا للدين الحكومى الخارجى، وهو ما أكده رئيس الوزراء فى عرضه لتقرير (موديز) مشيرا وموضحا فعالية التدابير الحكومية التى ساهمت إلى حد كبير فى تجحيم الكارثة العالمية.
سعدت كثيرا أنا وغيرى من المصريين عندما استعرض الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء صباح أمس الخميس، تقريرا بشأن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد المصرى، التى تضمنها تقرير مؤسسة "موديز" العالمية الصادر نهاية شهر أغسطس 2020، وأبرزها بالطبع قيام المؤسسة بتثبيت التصنيف الائتمانى لمصر عند مستوى (B2، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى، وقد لفتت المؤسسة إلى أن هذا التصنيف يعززه تنوع الاقتصاد المصرى وكبر حجمه، فضلا عن امتلاكه لاحتياطيات نقد أجنبى تكفى لتغطية الالتزامات الخارجية المستحقة على مدى السنوات الثلاث القادمة.
نعم مصر قوية وآمنة وحريصة على محيطها الإقليمى والدولى، ورغم اجتياح فيروس كورونا (كوفيد 19) معظم الاقتصادات العالمية وإحداث نوع من الخلل على مستوى الأداء، فقد أكدت (موديز) ثقتها - وليست هذه المؤسسة وحدها، بل وغيرها من المؤسسات الإقليمية الدولية - فى أداء الاقتصاد المصرى، فى ظل معاناة دول كثيرة من تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد، وهو ما يعكس مدى فعالية الإجراءات والتدابير الحكومية التى تبنتها وحافظت عليها طوال فترة الجائحة وحتى الآن.
ومن المؤشرات الجيدة فى ثنايا التقرير الصادر عن مؤسسة "موديز" تمتع مصر بمستويات منخفضة نسبيا للدين الحكومى الخارجى، وتوافر قاعدة تمويل محلية كبيرة؛ مما يدعم الوضع الائتمانى المصرى ويُعزز من قدرة الحكومة على السيطرة على الدين الحكومى، وفيما يتعلق بفاتورة فائدة الدين، يتوقع التقرير أن تنخفض بالتوازى مع انحسار تداعيات الجائحة واستئناف النمو الاقتصادى، وهو ما ينعكس - بشكل خاص - فى السياسة النقدية للبنك المركزى، التى وصفها التقرير بـ"المتشددة نسبيًا" حتى بعد خفض سعر الفائدة الحقيقى بنسبة 3.3% اعتبارا من شهر أبريل الماضى.
وفى هذا الصدد أشارت المؤسسة إلى ما تمتلكه مصر من سجل حافل فى الإدارة المالية والاقتصادية وإدارة الديون ذات المصداقية والفعالية، وهى الخبرة التى من المرجح أن تقود إلى تحسن ملحوظ فى القدرة على تحمل الديون وخفض الأعباء التمويلية الإجمالية؛ وجميعها عوامل تُسهم فى رفع مستوى التصنيف الائتمانى على المدى المتوسط، وهذا أمر له فاعليته الخاصة فى الانعكاس على المواطن المصرى الذى تحمل أعباء اقتصادية خلال فترة الأربع سنوات الماضية فى سبيل تطوير البنية الأساسية والمشروعات القوية الكبرى التى كانت تبتلع المليارات فى سبيل العبور بمصر نحو بر أمان يكفل لها جذب الاستثمارات الأجنبية التى من شأنها أن تضخ مليارات الدولارات -كما يحدث حاليا- فى كثير من المناطق الصناعية والموانى وغيرها من مرافق تضمن العيش الكريم للمصريين.
فى تقرير (موديز) على مستوى القوة الاقتصادية (Economic Strength) أنه قد حصلت مصر على تصنيف (A3)، وقد أرجعت هذه النتيجة إلى حجم السوق المصرى الكبير، وتنوع الهيكل الاقتصادى، مما أسهم فى توفير درجة مرتفعة من المرونة الاقتصادية خلال الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التى بدأت فى عام 2011، ولفت التقرير أيضا، إلى أن سياسة التعويم أدت إلى تحسين آفاق النمو فى مصر مقارنة بالدول الأخرى، مؤكدة أن الاقتصاد المصرى يحتل المرتبة المئوية (73) من بين جميع الحكومات التى تخضع للتصنيف، وفى المرتبة الثالثة بين أقرانهم من ذوى الدخل المحدود.
ونتيجة لوضعية قوة الاقتصاد المصرى تلك، والتى فاقت كل التوقعت، فقد رجحت "موديز" خلال تقريرها أن تواصل مصر الاتجاه الصعودى فى معدلات النمو الاقتصادى، حتى تصل تدريجيًا إلى المستويات التى حققتها قبل جائحة "كوفيد-19"؛ والتى تقدر بنحو (5.5?) على المدى المتوسط؛ رغم التأثير السلبى المتوقع على معدلات النمو خلال الربع الأخير من السنة المالية 2019/2020، وفى الربعين الأول والثانى من السنة المالية 2020/2021 - على افتراض أنه سيتم احتواء الأزمة بعد ذلك على المستوى العالمي.
على جانب آخر توقعت المؤسسة كذلك أن تكون مصر قادرة على تحقيق معدل نمو سنوى يقدر بنحو (3.2%) فى العام المالى 2019/2020 و(2.4%) فى العام المالى 2020/2021، على أن تصل معدلات النمو إلى نحو (5.3%) فى السنوات التالية، لافتاً إلى أن قطاعات السياحة، والتجارة، والتحويلات المالية كانت الأكثر تأثرًا بجائحة "كوفيد-19"، فى المقابل، ومن المتوقع أن تسهم اكتشافات الغاز الجديدة فى حقل ظهر فى تحفيز الاستثمارات بقطاعات الطاقة وغيرها من القطاعات الأخرى.
وبالطبع هذا ما يعكس مدى قدرة الدولة على سداد ديونها الخارجية، وتطبيق سياسات اقتصادية فعالة تضمن الوصول لمعدلات النمو الاقتصادى المستهدفة، وتحقيق الرخاء الاقتصادى، وقد أشارت (موديز) فى هذا الصدد الى أن مصر حصلت على تصنيف (b1)، حيث أشاد التقرير بالإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التى شهدتها مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة منذ بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي.
كل ذلك ساهم إلى حد كبير فى تحسن الاقتصاد المصرى رغم الجائحة التى اجتاحت العالم خلال الأشهر الماضية، وفيما يتعلق بمؤشر فاعلية السياسات المالية المتبعة فى مصر، أكد التقرير حصول مصر على تصنيف (ba) بما يعكس قدرة الدولة على تحقيق فوائض أولية للحكومة بدءًا من العام المالى 2019/2020، كما تستهدف الدولة تحقيق فائض أولى منخفض نسبيًا عن الفترات السابقة لحين انتهاء جائحه كوفيد-19، على أن تعاود بعد ذلك الوصول لمعدلات الفائض الأولى السابقة بشكل تدريجى، بما يقدر بنحو (2%)، وقد ساعد على ذلك تبنى مصر للعديد من الإصلاحات الهيكلية من أهمها: تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض دعم الطاقة، إلى جانب خفض أسعار الفائدة تدريجيا فى إطار استهداف التضخم مع تبنى سياسات تعويم سعر الصرف.
فى سياق متصل، صنف التقرير مخاطر القطاع المصرفى فى مصر عند (ba)، ليؤكد أن هذا الأداء سوف يدعم حالة الاستقرار المالى العام للقطاع المصرفى، نتيجة لاستقرار التمويل المحلى، وتوافر وسيولة نقدية غزيرة بالعملة المحلية، بالإضافة إلى أن ثلثى استثمارات البنوك تأتى فى هيئة سندات حكومية، وتيسير التعاملات النقدية، والإيداعات بين البنوك، كما قامت "موديز" بتقييم مدى التعرض لمخاطر خارجية فى مصر عند درجة (a)، مدعومة بصادرات الغاز الطبيعى الصافية التى تم استئنافها فى عام 2019، والتى تعود بالنفع الهيكلى على مركز مصر الخارجي.
ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك فى أن قوة مصر الحالية تكمن فى شعبها وقيادتها السياسية التى تتمتع بقدر من الحكمة والتصرف المسئول تجاه بلدها وقارتها وحيطها الإقليمى، بحكم أنها تملك كثيرا من المقومات التاريخية والجغرافية لجعلها (أم الدنيا) عن كثب، فضلا عن ذلك فهى تمتلك جيشا قويا يتصدى بثبات لكلفة المخاطر على الجبهة الشرقية والغربية، وعلى يقظة تامة أن مخاطرا أخرى ربما تأتى من الجنوب، لذا فهو على أهبة الاستعداد للمواجهة والردع لأى عدو مهما كانت قوته وجبروته الذى سرعان ما يخور على صخرة مصر الصلبة وأمام قوة المقاتل المصرى.. أليسوا هم خير أجناد الأرض؟