داخل حارة صغيرة بمدينة المنيا، يجلس "عبد التواب" من 30 عامًا على الأرض يمارس مهنته التى ورثها عن والده وجده، يمسك بيده النحيلة أدواته وأمامه أعواد جريد النخيل، يشكلها حسب المطلوب، سواء كانت أقفاص للفاكهة والخضار أو لغيات الحمام التى تعتلى السطوح، هذه مهنته التى يعيش منها هو وأسرته، ومع التطور الكبير وظهور مصانع البلاستيك، أثرت بشكل كبير على هذه الحرفة القديمة وأصبحت على وشك الانقراض، مما دفع الكثير إلى تركها والبحث عن مهنة أخرى، حتى يستطيع العيش منها، لكن عبد التواب ظل يجلس أمام أقفاصه ويرى متعته الحقيقية فى الانتهاء من قفص وبيعه حتى يحصل على قوت يومه.
ويقول عبد التواب جميل، الذى يبلغ من العمر 63 عامًا، إن مهنة صناعة الأقفاص ورثها عن والده، ويعمل بها منذ 30 عامًا، فلا تغادر تلك القطعة الأرض وأنا أجلس عليها لإنهاء عملى منها .
وأضاف عبد التواب، أن الأدوات المستخدمة فى صناعة الأقفاص هى عبارة عن جريد النخيل الذى أحصل عليه من مختلف مراكز المحافظة، وقد زاد سعر الطن خلال الأيام الماضية ليصل إلى 1600 جنيه، بعد أن كان بــــ400 جنيه، فأستيقظ مبكرا لبدء العمل، وطوال اليوم لا أستطيع إنهاء أكثر من 3 أقفاص فقط .
وتابع عبد التواب، أن القفص يأخذ فى صنعته ما بين ساعتين إلى ثلاثة حتى يخرج بالشكل المطلوب، حيث يستخدم فى صناعته 8 جريدات لكى يكون متماسكا، فالمساعد الخاص بى يقوم بتجهيز الجريدة من تقشيرها وتقطيع مسافات ومقاييس معينة، ثم البدء بأعمال التشكيل المختلفة بصناعة القفص، موضحا أن الاقفاص تختلف فى أسعارها وتبدأ من 60 إلى 100 جنيه، "الحمد لله الدنيا ماشية وربنا بيرزقنا آخر اليوم".
وعن تطوير الصنعة قال عبد التواب، المهنة لا يمكن تطويرها أو تطوير أدواتها لأنها تعتمد على جريد النخيل وأدواتها لقطعها وأدوات حادة صغيرة، ففى السنوات الأخيرة دخلنا فى منافسة شرسة مع البلاستيك، لكن مازالت أسعارها مرتفعة وهذا ما جعل المهنة ما زالت قائمة ولم تنقرض، وعلى رغم ما كانت عليه فى الماضى من حيث جودتها وأسعارها، إلا أنها أفضل بكثير عن هذه الأيام، وبالتالى كثير من أصحاب المهنة تركوها بسبب عدم الإقبال على شرائها والتحول لمهن أخرى مما يهدد بانقراضها.
واستطرد عبد التواب، أن ذلك دفعنى إلى العمل على صناعة العديد من أشكال الأقفاص سواء أقفاص الخضروات والفاكهة أو حتى غيات الحمام والدواجن حتى أجد سوق لبيع فيه المنتج، بالإضافة إلى قيامه بتصنيع أقفاص الخبز والتى تستخدم فى المخابز وبين الأهالى وهذا ساهم فى تحريك السوق قليلا.
وأضاف، لقد مر العمر وأصبحت عجوزا وتجاوز عمرى 63 سنة، ورغم ذلك أجد المتعة فى الجلوس على الأرض وأمامى الأقفاص وأبدأ يومى منذ الصباح حتى المساء فى العمل، قائلا: "طلبت من أبنائى أن يتعلموا هذه المهنة حتى لا يجلسوا خاليين من العمل خاصة وأنها أوشكت على الانقراض ".
وعن مواعيد العمل قال عبد التواب، أنا لست مرتبط بمواعيد محدده لكن بداية العمل تبدأ فى الصباح الباكر حتى يكون الجريد مشبع بالماء والمتماسك منه يستخدم فى قوائم الأقفاص، موضحا أنه يقوم بشراء كميات كبيرة من الجريد فى موسم حصاده، وتجهيزه للعام المقبل للبدء فى صناعة عشرات الأقفاص وتخزينها لوقت الطلب.
وقال عبد التواب، المهنة لا تحتاج إلى جسد قوى وهذا ما يساعدنى حتى الآن على الاستمرار فى المهنة وعدم تركها، خاصة أنى أصبحت مرتبط بها ارتباطا كبيرا ولا أحصل على يوم راحة منذ أن بدأت العمل بالمهنة إلا للضرورة القصوى .
وكشف صاحب المهنة القديمة، أن مدينة المنيا ومراكز المحافظة لا يوجد بها صنايعية كثر فى هذا المجال، وإن وجدوا سوف تجدهم يعملون بشكل فردى فى بعض القرى الصغيرة وهذا أكبر دليل على انهيار المهنة، رغم أن مدينة المنيا كان هناك شارع كامل يطلق عليه شارع القفاصين فكنا تشاهد الصنايعية متراصين بجوار بعضهم البعض فى شكل جميل لكن كل ذلك إختفى، مشيرا إلى أنه لا يوجد أنواع معينة من الجريد المستخدم فى صناعة الأقفاص، فجميع جريد النخيل يتم استخدامه وفى النهاية الصنعة والمهارة هى التى تحكم أعمال البيع والشراء.
الجريد المستخدم فى صناعة الأقفاص
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة