أصدرت الدائرة الرابعة – مدنى – بمحكمة دمياط الابتدائية – حكماَ قضائياَ لأول مرة منذ حدوث واقعة جائحة كورونا – كوفيد 19 - بتخفيض القيمة الايجارية المنصوص عليها بعقد الايجار وتنظيم العلاقة الايجارية بين المؤجر والمستأجر، بسبب جائحة كورونا؛ دون التعرض لباقى بنود العقد ومنها رفض امتداد عقد الايجار عن الفترة التى حدثت فيها الجائحة، وذلك نظرا لأن التدخل في عقود الاجارة يحتاج إلى صدور تشريع.
صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 609 لسنة 2020 مدنى كلى دمياط، لصالح المحامى سامى محمود محمد برئاسة المستشار أشرف شريف، وعضوية المستشارين أحمد رفعت، وأحمد فايز، وأمانة سر علاء الحميدى.
كيف أصبح العقد شريعة المتعاقدين؟
الحيثيات أكدت أن نظرية الظروف الطارئة في معنى المادة 147 من القانون المدني ﻣﺎدة 147: "أن اﻟﻌﻘﺪ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻧﻘﻀﻪ وﻻ ﺗﻌﺪﻳﻠﻪ إﻻ ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ، أو ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮرها اﻟﻘﺎﻧﻮن"، وﻣﻊ ذﻟﻚ إذا ﻃﺮأت ﺣﻮادث اﺳﺘﺌﻨﺎﻓﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻊ ﺗﻮﻗﻌﻬﺎ وﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺪوﺛﻬﺎ أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاَ كل اتفاق خلاف ذلك".
وفى هذا قالت محكمة النقض - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هو أن يكون الحادث استثنائياً وغير متوقع الحصول وقت انعقاد العقد، والمعيار في توافر هذا الشرط معيار مجرد مناطه ألا يكون في مقدور الشخص أن يتوقع حصوله لو وجد في ذات الظروف عند التعاقد، دون ما اعتداد بما وقر في ذهن هذا المدين بالذات من توقع الحصول أو عدم توقعه.
الوقائع.. مستأجر لقطعة أرض يطلب تخفيض الايجار وامتداد العقد بسبب كورونا
تخلص واقعة الدعوى في أن المدعى أقام دعواه بموجب صحيفة موقعة من محام وطلب في ختامها الحكم أولاَ: بتخفيض قيمة ايجار الأرض الواقعة داخل سور أحد الأندية والمقام عليها قاعة للأفراح – والمستحق بموجب عقد ايجار مؤرخ في 15 مايو 2018 والذى يبدأ سريانه اعتباراَ من 1 ديسمبر 2018 – لتصبح قيمة الايجار الشهرى مبلغ 1980 جنيها شهرياَ اعتباراَ من 9 مارس 2020 وحتى صدور قرار من المسئولين بفتح قاعات الأفراح بكامل طاقتها، ثانيهما: امتداد عقد الايجار مدة مماثلة للمدة التي تم غلق القاعات فيها بقرارات رسمية حرصاَ على الصالح العام لخروجها عن إرادة المستأجر مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات.
وذلك على سند من القول حاصله – أن المدعى بموجب عقد ايجار مؤرخ 15 مايو 2018 يبدأ سريانه اعتباراَ من 1 ديسمبر 2018 قد استأجر قطعة أرض مساحتها 1200 متر تقع داخل سور النادى، أقام عليها قاعات للحفلات والأفراح والأغراض التجارية، وذلك لقاء أجرة شهرية حالية قدرها 19800 جنية شهرياَ، ونظراَ لما تمر به البلاد من ظروف استثنائية عامة نتيجة لانتشار فيروس كورونا وقيام الدولة بتعليق جميع الفعاليات التي تتطلب تواجد آية تجمعات للمواطنين للحد من انتشار هذا الوباء بموجب قرارات الصادرة من الجهات الحكومية بالدولة، الأمر الذى ترتب عليه الغاء جميع الحفلات بالقاعة، ورد جميع المقدمات التي سبق دفعها مع التزام المدعى بسداد كافة الأجور والمرتبات الخاصة بالعاملين فضلاَ عن قيمة الايجار وهو ما يسبب للطالب خسائر باهظة.
قرار الحكومة بغلق التجمعات والأماكن المغلقة
وتقدم الطالب للمدعى عليه بطلب لتخفيض قيمة الايجار إلا أنه تم رفض الطلب كما آنذره بموجب انذار رسمي بذات الطلب معلن له في 5 مايو 2020، ولما كان انتشار فيروس كورونا في مصر والعالم يعتبر صورة جلية من صور الحوادث الاستثنائية العامة المنصوص عليها قانوناَ وهو ما آقرته الحكومة بقراراتها الرسمية المتعاقبة بغلق أماكن التجمعات ومنها قاعات الأفراح وحتى بعد صدور قرار بفتح بعض أماكن التجمعات بربع طاقتها إلا أن المواطنين احجموا عن حجز قاعات الأفراح خشية إصابتهم بذلك الوباء، الأمر الذى تسبب للمدعى بخسائر مادية فادحة، مما حدا به إلى أقامة دعواه للقضاء بطلباته سالفة البيان، وقدم سنداَ لدعواه حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية عبارة عن عقد الايجار مصحوباَ بإنذار رسمي.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن الطلب الأول من طلبات المدعى بتخفيض قيمة ايجار الأرض الواقعة داخل سور النادى والمقام عليها قاعة للأفراح - والمستحق بموجب عقد ايجار مؤرخ في 15 مايو 2018 والذى يبدأ سريانه اعتباراَ من 1 ديسمبر 2018 – لتصبح قيمة الايجار الشهرى مبلغ 1980 جنيها شهرياَ اعتباراَ من 9 مارس 2020 وحتى صدور قرار من المسئولين بفتح قاعات الأفراح بكامل طاقتها – فلما كان من المقرر قانوناَ بنص المادة 147 من القانون المدنى: "العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانونوﻣﻊ ذﻟﻚ إذا ﻃﺮأت ﺣﻮادث اﺳﺘﺌﻨﺎﻓﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻊ ﺗﻮﻗﻌﻬﺎ وﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺪوﺛﻬﺎ أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاَ كل اتفاق خلاف ذلك.
تطبيق نظرية الظروف الطارئة
ولما كان من المقرر فقهاَ أنه: "يجب للتمسك بالظروف الطارئة توافر الشروط الأتية:
أولاَ: ألا يكون العقد قد تم تنفيذه بأن يختلف وقت إبرام العقد عن وقت تنفيذه سواء أرجئ تنفيذ العقد كله أو كان التنفيذ يتم على مراحل أو بصفة دورية فات تحقق الظرف الطارئ قبل تنفيذ العقد كان للمدين أن يتمسك بهذا الظرف على أنه إذا توافرت شروط الظروف الطارئة ومع ذلك قام المدين بتنفيذ التزامه، فإن هذا الالتزام ينقضى بالوفاء، فلا يكون للمدين بعد ذلك أن يرجع في هذا الوفاء ويطلب تعديل التزامه ما لم يكن قد اضطر للوفاء درءاَ لخطر بتهديده أن لم يقم بالوفاء.
ثانياَ: أن يقع بعد العقد حادث استثنائى عام ويقصد بالحادث الاستثنائى الحادث غير المألوف نادر الوقوع كزلزال أو حرب أو اضراب مفاجئ أو وباء أو فرض تسعير جبرى أو الغائه، ويقصد بالعموم أن ينصرف الحادث إلى عدد كبير من الناس كسكان محافظة أو مدينة أو قرية أو طائفة معينة...ثالثا: أن يكون الحادث متوقعاَ فإن كان المدين قد توقع الحادث الطارئ أو كان في وسعه أن يتوقعه فليس له التمسك بالظروف الطارئة".
وتنص المادة 147/ 2 من القانون المدنى على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدى وأن لم يصبح مستحيلاَ صار مرهقاَ للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضى تبعاَ للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول"، وإذ يبين من هذا النص أن المشرع قد أطلق التعبير بالالتزام التعاقدى دون أن يخصص نوعاَ من الالتزام التعاقدى بعينه، وإنما أورد النص عاماَ بحيث يتسع لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة على جميع العقود التي يفصل بين إبرامها وبين تنفيذها فترة من الزمن يطرأ خلالها حادث استثنائى عام غير متوقع يؤدى إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقاَ للمدين فإن هذه النظرية تنطبق على عقود المدة ذات التنفيذ المستمر أو الدورى.
رفع العنت عن المدين تمكينا من تنفيذ التزامه دون إرهاق كبير
كما تنطبق على العقود الفورية التي يتفق فيها على أجل لاحق لتنفيذ بعض التزامات العاقدين لتحقق حكمة التشريع في الحالتين وهى إصلاح ما اختل من توازن اقتصادى للعقد في الفترة ما بين ابرامه وتنفيذه نتيجة للظروف الاستثنائية التي طرأت خلال هذه الفترة، وذلك برفع العنت عن المدين تمكينا من تنفيذ التزامه دون إرهاق كبير، وهذا الإرهاق كما يحدث في الالتزامات التي تنفذ بصفة دورية أو مستمرة يحدث كذلك في الالتزامات المؤجلة التنفيذ على أنه يشترط لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة ألا يكون تراخى تنفيذ الالتزام إلى ما بعد وقوع الحادث الطارئ راجعاَ إلى خطأ المدين إذ لا يجوز له أن يستفيد في هذه الحالة من تقصيره، كما أن هذه النظرية لا تنطبق على "عقود الغرر" إذ أنها تعرض – بطبيعتها – العاقدين لاحتمال كسب كبير أو خسارة فادحة".
ولما كان تقدم – وهدياَ به وكان الثابت للمحكمة أن الطلب الأول من طلبات المدعى ينصب على طلب القضاء بتخفيض قيمة ايجار الأرض لواقعة داخل سور نادى والمقام عليها قاعة أفراح والمستحق بموجب عقد ايجار مؤرخ في 15 مايو 2018 والذى يبدأ سريانه اعتباراَ من 1 ديسمبر 2018 – لتصبح قيمة الايجار الشهري مبلغ 1980 جنيها شهرياَ اعتباراَ من 9 مارس 2020 وحتى صدور قرار من المسئولين بفتح قاعات الأفراح بكامل طاقتها وكان قد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 606 لسنة 2020 بتاريخ 9 مارس 2020 والذى نص على أنه: "في سبيل اتخاذ الدولة لبعض الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا وحفاظاَ على صحة المواطنين تعلق مؤقتاَ جميع الفاعليات التي تتطلب تواجد أية تجمعات كبيرة للمواطنين..... وذلك لحين صدور اشعار أخر"، وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1860 سنة 2020 بتاريخ 17 سبتمبر 2020 والذى نص على: "يسمح بإقامة الأفراح وما يمثلها من مناسبات في الأماكن المكشوفة بالمنشآت الفندقية السياحية الحاصلة على شهادة السلامة الصحية من وزارة السياحة والآثار وغيرها من الأماكن المكشوفة المرخص لها بهذا النشاط من السلطات المختصة على ألا يزيد الحضور عن 300 فرد".
وكان مرجع تلك القرارات جميعها هو تعرض البلاد والعالم أجمع لجائحة ووباء فيروس كورونا والذى هو ظرف استثنائى لم يكن في وسع المدعى أن يتوقعه أو ترتب على ذلك أن المدعى قد لحقته أضراراَ من جراء ذلك لم يكن متوقعاَ دون ثمة خطأ منه، وذلك نتيجة توقف النشاط الذى يمارس في العين محل التداعى طبقا لما ثبت بعقد الايجار إلى الحد المعقول، الأمر الذى تتحقق معه شروط اعمال نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى والتي تخول للمحكمة تخفيض التزام المدعى بدفع الأجرة المنصوص عليها بعقد الايجار إلى الحد المعقول وكانت المحكمة ترى أن ما طالب به المدعى بتخفيض الأجرة المتفق عليها خلال فترة التوقف سالف البيان قد جاء وفقا للثابت من صحيح الواقع والقانون وفيه رفع للضرر عنه وتخفيض لالتزامه التعاقدى بسداد الأجرة إلى الحد المعقول.
المحكمة تقضى بتخفيض الأجرة وترفض امتداد عقد الايجار
وأما عن مسألة امتداد العقد مدة مماثلة للمدة التي تم غلق القاعات فيها بقرارات رسمية حرصاَ على الصالح العام لخروجها عن إرادة المستأجر وكان الثابت للمحكمة من مطالعة عقد الايجار سند الدعوى أنه قد نص في البند الثالث منه على: "أن مدة الايجار هي 3 سنوات تبدا من 1 ديسمبر 2018 وتنتهى في 30 نوفمبر 2021 ولا يجوز تجديد مدة هذا العقد إلا بموافقة الطرف الأول المؤجر كتابة، وذلك بالشروط الذى يرى تعديلها أو اضافتها أو حذفها...."، وحيث أن وقف الآجال وإعطاء المهل والتدخل في عقود الاجارة يحتاج إلى صدور تشريعات من المشرع بذلك فليس للقضاء أن يسبق الشارع إلى ذلك وهو ما يتأيد بما ثبت بمدونات حكمنا من بشأن طلب المدعى الأول الذى استندت فيه المحكمة إلى نص الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدنى وجعلته عماد قضائها في تخفيض الالتزام على المدعى بسداد الأجرة إلى الحد المعقول وهو ما لا يجوز القياس عليه أو التوسع فيه بشأن الطلب الثانى للمدعى المعروض على المحكمة، الأمر الذى يكون معه ذلك الطلب الأخير للمدعى قد جاء على غير سنداَ صحيح من الواقع والقانون.