رصد كتاب "إبادة الكتب... تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية في القرن العشرين"، الصادر حديثاً عن سلسلة «عالم المعرفة» في الكويت لمؤلفته ربيكا نوث، الأستاذة بجامعة هاواي والمختصة بعلوم المكتبات، وترجمه للعربية الباحث المصري عاطف سيد عثمان.أشهر جرائم البشر فى حق الكتاب
تحصر أستاذة علوم المكتبات، أسباب تدمير الكتب والمكتبات في الدوافع "القومية والآيديولوجية والدينية والعسكرية العدوانية والزعامة الفردية"، ممثلة على كل ذلك في نماذجها الخمسة التي اختارتها للتمثيل على ارتباط إبادة البشر بإبادة الأفكار.
إبادة الكتب في ألمانيا النازية
فالقومية "النازية" التي أسسها الديكتاتور النازى أدولف هتلر بقيادة الحزب القومى الاشتراكى، لطالما وظفت التدمير العمدى للكتب والمكتبات بوصفها واحدة من استراتيجيات الحرب، كما يرد في الدليل العسكري النازي، فإن "الحرب لا يمكن أن تشن ضد مقاتلي العدو فقط، بل يجب أن تسعى لتدمير الموارد المادية والفكرية الكاملة".
واقترفت جيوش هتلر الكثير من المآسي، فكي تكسر إرادة السكان في مدينة نابولي الإيطالية سكبت الغازولين بطريقة ممنهجة في كل غرف الجمعية الملكية في نابولي فدمر زهاء 200 ألف كتاب من أثمن كنوز التاريخ الإيطالي، وأعاد الألمان إحراق مكتبة لوفين في بلجيكا للمرة الثانية، بعدما كانوا أحرقوها في الحرب العالمية الأولى، ودمروا على مدار 6 أيام 230 ألف مجلد، «تحذيراً لأعداء ألمانيا واستعراضاً لقوتها أمام العالم".
البوسنة والهرسك
تقول "ربيكا نوث" فى كتابها أيضا: "على مدى فترات الحكم العثمانى والهنجارى النمساوى ظلت البوسنة كيانًا سياسيًا مستقلًا، ونمت فيها ثقافة قومية، وعزَّز تيتو شرعيتها بتصنيفها جمهورية من مكونات الدولة، على الرغم من المطالب الصربية والكرواتية بأجزاء مختلفة".
وعندما أعلنت سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما، أصبحت البوسنة فى وضع حرج للغاية، كان بإمكانها إما أن تبقى داخل "يوغوسلافيا" التى يهيمن عليها الصرب وتتجلَّى فيها قومية عنصرية أشد كل يوم (كما تدلّ على ذلك معاملتهم للمسلمين فى كوسوفو)، وإما أن تعلن استقلالها وتواجه انهيارًا أكيدًا على يد صربيا وكرواتيا اللتين من المرجح أنهما ستنضمان إلى البوسنيين الذين يختارون تحديد هويتهم إثنيًّا، بوصفهم صربًا أو كرواتًا، بدلًا من تحديدها قوميًا بوصفهم بوسنيين، عندئذ قد تُقسَّم البوسنة متعددة الثقافات إلى مناطق إثنية حصرية.
وفى مارس 1991 صوَّت 68 فى المائة من البوسنيين لمصلحة الاستقلال فى استفتاء شعبى مدعوم دوليًا، وأحجم الصرب، الذين يمثلون ثلث السكان، عن التصويت، وبمجرد إعلان الاستقلال اجتاح الجيش اليوغوسلافى الذى يسيطر عليه الصرب وقوات صربية شبه عسكرية، مدعومين بالمتطوعين من صرب البوسنة، شرق البلاد.
روسيا الشيوعية
وبحسب الكتاب سالف الذكر أيضا، فالشيوعية التي نشأت على مبادئ ثقافية ثورية سرعان ما تحولت في روسيا لينين وستالين، إلى «آيديولوجية متعصبة سوّغت تدمير جميع مناهضيها من البشر والمؤسسات»، ومورست على المكتبات الروسية على الأخص بدءاً من العام 1924 حملات تطهير استهدفت مؤلفات «أفلاطون وكانط وتولستوي ودستوفيسكي وغيرهم»، وهو ما اعتبره الكتاب الروسي مكسيم غوركي عمليات «مص دماء الفكر»؛ إذ اعتبرت كروبسكايا زوجة لينين وأحد الرقباء أنه «من المرغوب فيه تطهير كتب الفلاسفة لأنها تروج لأفكار ضارة... كما أن الكتب الأخرى خبيثة ومهلكة لأنها تتحدث عن الدين أو هراء الأنظمة التقليدية أو موضوعات ولى زمنها".
الصين
وكانت للثورة الصينية الثقافية هي الأخرى عواقب وخيمة على الكتب والمكتبات، مدفوعة بأسباب آيديولوجية متطرفة، دافعة في الوقت ذاته الملايين من الشباب «الأحمر» ومن الجماهير للمشاركة في حملات إبادة ضد أي شخص يعارض سياسات ماو وأفكاره، كما نشرت صحيفة «الشعب» اليومية عام 1966. وعليه؛ انتزعت من الأرفف 4 ملايين كتاب «صنفت باعتبارها عشباً ساماً».