محمد ثروت

تصدعات نفسية فى مجتمع فاقد الخصوصية

الإثنين، 25 يناير 2021 01:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الأزمة أعمق من مجرد احتفال خارج عن القيم المألوفة، والنسق الأخلاقي المتعارف عليه، فالواقع أن مجتمعنا الذي يدعي حمل شعلة الأخلاق وراية القيم، هو نفسه يعاني تصدعات نفسية وقيمية تجعله ينتهك خصوصية الغير ويبتهج بنشر الفضائح وأخبار النميمة، وينصب من نفسه قاضيا وحكما على أخلاق الآخرين.

إذا كانت تصرفات البعض خاطئة وغير مبررة، إلا أن رد الفعل المبالغ فيه، يعتبر مؤشرا خطيرا على حالة التصدع النفسي والقيمي داخل المجتمع.  

لقد صانت الأديان حرمةً الحياة الخاصة، ولم يجز للغير اقتحامها، وجعل للإنسان الحقّ في منع غيره من الاعتداء أو التلصّص عليها بأيّة وسيلةٍ من وسائل المعرفة الظاهرة أو الخفية، ويظهر ذلك فيما وراء النص القرآني الحكيم من معاني خفية “وَلَا تَجَسَّسُوا" (من الآية:12 الحجرات). فالتجسس على الآخرين كما قال الأوزاعي من البحث عن الشيء، وتتبع عورات الآخرين، ومحاولة معرفة ما أخفي عنهم عمدا.

هل يدري مدمنو التشهير والنميمة أن الخصوصية مرتبطة بالحق، بل هي نوع من أنواع الحق، فهي تعني الحق في أن يترك المرأ وشأنه". وهي مرادفة لمفهوم الحرية، التي تتعلق بأمن الإنسان وطمأنينته بعيدا عن تدخل الغير؟  من الذي نصب مدمنو وسائل التواصل الاجتماعي خصما وحكما وادعاء وقضاء يتهم ويحكم على الآخرين ويتدخل في حياتهم الشخصية، دون رادع أو أو وازع؟

إن التشهير بالآخر هو اعتداء على الخصوصية، ويدخل في باب إشاعة الفاحشة، والإضرار النفسي بالآخرين، وتعريضهم للإضرار البدني نتيجة الصورة الذهنية المشوشة والمبالغ فيها عنهم. والأصل هو الستر مهما كانت تصرفات البعض غير الأخلاقية، والاكتفاء بما تقرره لسلطات من عقوبات بعد تحقيق ومساءلة لصاحب الفعل أو القول الفاضح، لأن التشهير والتشنيع بالحق وبالباطل، جريمة أخرى أكبر فداحة من الجريمة المرتبكة التي تصيب صاحبها فقط، لكن التشهير يضر بالأفراد وذويهم والمجتمع كله، ويشوش على الحقيقة ويهول ويبالغ في الصغائر ويصرف الناس عن الهموم والمشكلات الكبرى.

إن حق العلانية في ارتكاب شيء خارج على المألوف من اختصاص ولي الأمر، أو من ينوب عنه من جهات تحقيق وخلافه من سلطات حددها القانون، وهو وحده صاحب الحق في العقاب والمحاسبة. أما أن يتحول الجميع بضغطة زر  على أجهزتهم المحمولة  إلى وكلاء عن المجتمع يسلطون سيف التشهير ويقتحمون الخصوصية  ويمتدون بالأذى لعائلات وأطراف غير مسؤولة عما فعله ذووهم، فتلك أزمة نفسية وقيمية تحتاج لوقفة وتحليل وعلاج جذري لا مسكنات. أفلا تعقلون؟       

 

  

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة