«حبيت أيامى، ومدين لكثيرين وقفوا بجانبى، وساعدونى كى أصل للناس.. عاوز أقول الحمد لله مرارا وتكرارا وأشكر الجميع لأنكم عشاق السينما اللى أنا حبتها بقدر كبير من الإخلاص والتفانى.. أعتقد أنكم ممكن تفتكروا لى أفلام أسعدتكم، وأشكر كل من تعلمت منهم أو علمونى فى مجال التمثيل والإخراج والنقد».
كأنه كان يقدم وداعا يليق به وهو واقف على قدميه، كل من تابع حديث وحركة الكاتب الكبير وحيد حامد أثناء تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، كان يشعر أنه يقدم وداعا يليق بكاتب أثر فى أجيال عديدة، وصنع مشروعا روائيا سينمائيا يضاهى الأعمال الكبرى فى الأدب، بدا واهنا، لكنه سعيد، يستمد طاقته من السينما التى أخلص لها عقودا طويلة، والدراما التى لم يعرف غيرها.
وكعادته، كان حريصا على تأكيد اعترافه بالامتنان لكل من ساعده فى مشواره، «اشتغلت مع نجوم كبار، وأنا عشت فى زمن جميل فيه صلاح منصور، وأمينة رزق، ومحمود مرسى، واشتغلت مع مخرجين كبار، أشكر الراحل يوسف شريف رزق الله، لأنه أصطحبنى معه لمهرجان «كان» لأول مرة فى حياتى، وتعلمت منه الكثير»، وجه الشكر لكل أساتذته، وأولهم المخرج الإذاعى مصطفى أبوحطب قائلا: «الذى علمنى لغة الحوار»، والمسرحى الكبير سمير خفاجى، ورفيقىّ مشواره، المخرجان سمير سيف، وشريف عرفة، مستكملا: «اشتغلت مع فنانين محترمين منهم، محمود مرسى وأمينة رزق وصلاح منصور وعادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى وفاروق الفيشاوى ويسرا ومنى زكى ومنة شلبى، تعاملت مع أجيال مختلفة، راضى عن مشوارى».
قدم وحيد حامد أكثر من أربعين فيلما، وخمسة عشر مسلسلا تليفزيونيا، ومثلها تقريبا للإذاعة، فضلا عن الخماسيات والسباعيات التى كانت معروفة فى السبعينيات والثمانينيات، وهناك أعمال مسرحية عظيمة، مثل «آه يا بلد»، و«جحا يحكم المدينة»، كل هذا جعل من تكريم المبدع أحد أهم أحداث 2020، ووداعا يليق باسم علامة وفصل كبير فى تاريخ السينما المصرية، واستمرارا لجيل عظيم أخلص للفن ومهمة التنوير، يشكلون إحدى أهم ثروات مصر وقوتها الثقافية والفنية والإبداعية، من سيد درويش لبيرم التونسى، والنديم، ومختار، ومحمد عبده، وطه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وزكريا أحمد، وأحمد رامى، وأم كلثوم، والسنباطى، وعبدالوهاب، ونجيب الريحانى، ومارى منيب، وعبدالحليم، والأجيال التالية من الفنانين والمثقفين. وقد تنبأ نجيب محفوظ، بعبقريته، فى نهاية السبعينيات أن الرواية سوف تتخذ من السينما والتليفزيون مكانا متصدرا، وأن السينما منحت أعماله انتشارا إضافيا، وحيد حامد من بين من تسلموا راية الرواية، وقدم الأدب للسينما والتليفزيون والإذاعة أعمال عظيمة.
بقيت الجمل والحوارات والإفيهات علامات تعيش فى ذاكرة الأجيال. فى كل فيلم علامة من بصمات وحيد حامد، ومن ينسى الجمل المنحوتة فى حوارات فيلم طيور الظلام «البلد دى اللى يشوفها من فوق، غير اللى يشوفها من تحت»، و«أنت فى نعيم بسببى.. وأنت فى أمان بسببى.. أنا خارج قريب.. وأنا كمان خارج»، أو فى «الإرهاب والكباب»: «أنا مش طالب غير إنسانيتى مش عايز أتهان .. مش عايز أتهان فى البيت ولا فى شغلى ولا فى الشارع .. بيتهيأ لى دى مطالب لا يمكن أتعاقب عليها»، والديالوج العظيم على لسان الفنان العظيم عبدالعظيم عبدالحق، أو إفيه «قصة ولا مناظر» فى فيلم «المنسى»، وفى «الراقصة والسياسى»، والحوار الشهير: «أنا بارقص بوسطى وأنت بتلعب لسانك».
يقدم وحيد حامد، فصولا من التاريخ الاجتماعى والسياسى لمصر الحديثة، بكل تعقيداتها ومشكلاتها، مع مخرجين كبار، كان وحيد حامد صاحب مشروع بصرى، وقدم فى كل عمل من أعماله فكرة، وعلامة، رافضا مقولة «الجمهور عاوز كده».
هناك أعمال تمثل علامات فى تاريخ السينما، بدون ترتيب، منها «طائر الليل الحزين، البرىء، الغول، الراقصة والسياسى، آخر الرجال المحترمين، معالى الوزير، الإرهاب والكباب، المنسى، اللعب مع الكبار، مسجل خطر، طيور الظلام، النوم فى العسل، اضحك الصورة تطلع حلوة، سوق المتعة، محامى خلع، دم الغزال»، كل منها رواية بصرية، بجانب مسلسلات «أحلام الفتى الطائر، سفر الأحلام، الرجل الذى عاد، أنا وأنت وساعات السفر، أوراق الورد، العائلة»، ثم «الجماعة» الذى يمثل قفزة فى الدراما التاريخية.
كل فيلم من أفلامه يحمل علامة مائية، أقرب للحامض النووىDNA، جملة، حوارًا، «إفيه»، حكمة، ترك بصمة فى كل فيلم، والكوميديا مع الدراما فى خلطة، وأفلامه تدخل ضمن أفضل أفلام تاريخ السينما، لا يمكن نسيان شخوصه وأبطاله، والإفيهات والحكم والشعارات والأفكار التى تضمنتها الأفلام، «طيور الظلام» يقدم سباقا أقرب إلى النبوءة والمواجهة السياسية الكبرى بين تيارين يتحكمان ويحكمان ويتواجهان، ولا يستغنى كل منهما عن الآخر، الانتهازية والفساد والتطرف، وكيف يتعايشان ويتبادلان الأدوار، يسجل ضمن أحد أعظم الأفلام فى تاريخ السينما، بالمقاييس العالمية، وهناك فيلم «غريب فى بيتى» وكيف امتزجت الكوميديا بلعبة كرة القدم؟ و«الإنسان يعيش مرة واحدة»، وحيد حامد عامل مشترك فى أعمال عظيمة مع عادل إمام، وأحمد زكى، ويسرا، وسعاد حسنى، ونور الشريف، ولبلبة، والمخرجين سمير سيف وشريف عرفة، وحيد حامد صانع النص الذى صنع نجوما وأفكارا.
كل عمل من أعمال وحيد حامد، رسالة فى تاريخ المجتمع والحياة المصرية، خاصة للطبقة الوسطى، وعبر بالرواية فوق أسوار الأمية، ليحل معادلة المزج بين المتعة والفرجة والتشويق والرسالة الثقافية.
وحيد حامد صانع البهجة والحكمة والفن الراقى، قدم للجمهور ما يحتاجه من أجل التنوير والفن، المتعة والتفكير من دون وعظ ولا ادعاء، كل عمل علامة تعيش فى وجدان ووعى الجمهور، وتستمر ويمكن مشاهدتها أكثر من مرة، وهو أساس الفن الإنسانى العظيم. نعم رحل، لكنه يعيش بفنه العظيم.