الأزمة عالمية، وليست محلية، فيروس كورونا يجتاح العالم، والموجة الثانية أشد من الأولى، وبالرغم من البدء فى تلقيح مواطنى دول أوروبية وعربية، إلا أن سرعة واتساع الإصابات، ما زالا فى ارتفاع، وتتجاوز حتى الأرقام المعلنة، وتلعب ثورة الاتصالات دورا فى جعل مواطنى العالم على الهواء يتابعون أنباء الفيروس، والتطورات الطبية والعلمية، وبقدر ما تمثل هذه الأدوات ميزات كثيرة، فإن لها لها أعراضا جانبية وعيوبا.
الاتصالات تجعل الناس على اطلاع بأخبار الفيروس، وتطوراته وطفراته، وبكل جديد فى العلاج واللقاحات، وتحمل قدرا من الوعى والتوعية بالإجراءات الاحترازية، وكيفية التصرف حال الإصابة والتفرقة بين كورونا والإنفلونزا.
لكنها، نفس أدوات التواصل، تعمل كمنصات بث دائمة لكل ماهو متناقض ومختلف ومتنوع، وهو ما يصنع حالة من التزاحم والتضارب والقصص والمعلومات والنصائح والوصفات المتناقضة التى تضاعف من الخوف، فضلا عن شيوع إطلاق آراء من المدعين وغير المختصين، تضاعف من مخاوف الناس، ولا تساعد فى خلق وعى، وأحيانا تتحول هذه الأدوات إلى منصات من المبالغة ونشر الرعب بدلا من نشر الوعى.
ثم إن أدوات التواصل هذه، تتحول أحيانا إلى منصات لنشر دعاية لمعامل ومستشفيات خاصة، غالبا ما تتاجر بالأزمة وتمارس الاستغلال بل وتتلاعب فى نتائج التحاليل، بهدف توسيع دوائر الاشتباه فى الأسر والمخالطين، وهى لعبة تكررت من بعض المعامل، فضلا عن مضاعفة أسعار التحاليل، بالرغم من أن العكس هو المفروض، بناء على نظرية العرض والطلب.
وبقدر ما تحمل أدوات الاتصال والتواصل المعلومات، فإنها لا تحمل الوعى بنفس الدرجة، والأمر يتطلب قدرا من الشفافية، من دون تهوين أو تهويل، وحتى الفيديوهات والقصص التى تنتشر بسرعة، ويتم التفاعل معها من دون تدقيق أو تأكد، وباندفاع الجماعى وبلا تفكير، هى حالة مكررة من أحداث كثيرة.
بعض الفيديوهات تمثل نوعا من التنبيه لأخطاء، لكن البعض الآخر لا يهدف للشفافية والكشف، بقدر ما يهدف لإثارة الرعب والإحباط والارتباك، فقد يكون هناك تقصير فردى، فى المقابل فإن كل الفرق الطبية والتمريض فى كل مستشفيات العزل، والحميات، والعامة، والمركزية، يعملون بدأب، ويبذلون كل جهودهم لإنقاذ وخدمة المرضى، وسط أجواء صعبة ووفيات واردة، وهو أمر يجرى فى كل مكان بالعالم، وليس أمرا يخصنا وحدنا.
ولا يمكن إنكار أن بعض هذه الفيديوهات تبدو موجهة لجهات معينة، تحولها إلى حملات إحباط ودعاية بلا هدف، الأمر الذى يشكك فى نوايا من يطلقها، ويحولها من أدوات تنبيه، إلى أدوات هجوم وإحباط وتقليل من جهود عشرات الآلاف من الأطباء والتمريض والأطقم الطبية ممن يبذلون جهودهم بكل إخلاص، وربما على الناس أن تلتزم، بأكبر قدر من الالتزام، بالإجراءات الاحترازية لحين التوصل إلى لقاحات كافية للجميع.
وحتى قضية اللقاحات نفسها، أصبحت نقطة مزايدة وادعاء، فهذه اللقاحات لا تزال فى طور التجريب الأخير، ولا تزال الشركات المنتجة لها تدخل عليها تعديلات بناء على التجارب، وكل دولة تسعى لتأمين اللقاحات المناسبة بعد التأكد من نتائجها بناء على تقارير المنظمات الدولية، ثم إن إتاحة 8 مليارات جرعة «مزدوجة، أو ثلاثية» أمر يتطلب وقتا، وهى معلومات متاحة على نفس الشبكات العالمية، وليست سرا، لكن البعض ينتقى ما يناسب رأيه، ويتجاهل ما يمكن أن يشكك فيه، والقضية أخطر من أن تتحول إلى نقطة تأييد أو معارضة، لكونها تتعلق بصحة البشر وحياتهم، وتتطلب كثيرا من الشفافية، وكثيرا من الوعى، فى مواجهة فيروس لا يفرق بين دولة غنية وأخرى فقيرة، ولا بين مواطن وآخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة