"إن الكلمة سلاح قد يكون مبضع جراح يشفي الألم، وقد يكون نصلا مسموما يبتر ويمزق ويقوض، واليد التى تمسك هذا السلاح مفسدة إذا لم تكن رشيدة واعية" .. هكذا كان يردد دائما الكاتب الكبير موسى صبرى، وهكذا كان يؤمن بأن العمل الصحفى وحمل القلم مسئولية اجتماعية للتطوير والتأثير، لا للاستغلال والمتاجرة، وبالتأمل لسيرته الذاتية، نرى أن صاحب "دموع صاحبة الجلالة" والمعارك التى خاضها أنه كان "أسطى" فى مهنة البحث عن المتاعب وصاحب مدرسة استطاع من خلال المزج بأسلوبه الجميل بين الصحفى والأدبى.
فى مذكراته "مذكرات موسى صبرى .. 50 عاما في قطار الصحافة" الصادرة عام 1992، عن دار الشروق للنشر، يروى الكاتب الراحل الذى تمر اليوم ذكرى رحيله الـ29، عددا من المواقف والأحداث التى حدث معه بداية من دخوله المعتقل فى بداياته، وتأثره بزعماء الحركة الوطنية ورموز الفكر المصرى فى الثلاثينيات، نهاية بعمله بالصحافة وكيف كانت علاقته بالرؤساء، وصولاته وجولاته فى بلاط صاحبة الجلالة.
موسى صبرى المولود فى عام 1925، كان أبوه أول من أدخله فى دروب السياسة وحب الوطن، فكان أول من حدثه عن الزعيم الراحل سعد زغلول، وكيف أن سيدة كانت تغسل لديهم الملابس ما علمت بنباء وفات قائد ثورة 1919 خرجت إلى الشارع وهى تصيح وتلطم الخدود، كما حدثه عن ثورة عرابى أو كما كان يطلقون عليها حينها "هوجة عرابى"، وكان لكل ذلك بالغ الأثر فى حياة الشاب "موسى" الذى إن ما دخل الجامعة حتى عمل فى السياسة وانخرط بها.
مظاهرة ضد نقل عميد كلية الحقوق إلى جامعة الإسكندرية، الدكتور على بدوى، بعدما رفض طلب من حزب الوفد لعمل استثناءات لقبول الطلبة، كانت أول المواقف الكبرى فى حياة صبرى موسى، والذى تم تحويله إلى التحقيق هو وزميله حينها "عبد الرحمن الشرقاوى"، والذى رغم اتفاقهم على نفى كافة التهم الموجهة إليهم، إلا أن الأخير اعترف بكل شىء ولم يذكر إلا اسمه فقط.
معركته مع طه حسين بسبب أدب "العفاريت"
كانت بداية علاقة موسى صبرى بطه حسين، عندما كان الأخير يعمل وزيرا للمعارف، للتقدم إليه بطلب لمساعدته فى العمل، كما كان عادة العميد فى تقديم يد العون للطلبة المتفوقين، وهناك فى مبنى الوزارة قابل سيد قطب القيادى الأخوانى الذى كان يعمل حينها مديرا لمكتب عميد الأدب العربى، الذى استمع إليه إلى طلبه، بعدها أدخله مكتب طه حسين، الذى قابله بالترحاب والود وطلب منه يحدثه عن سبب تفوقه، قبل أن يخبره أن أنه كلم صديقه محمد صبرى أبو علم وزير العدل حينها، من اجل توظيفيه بالنيابة، لكن ربما قصة اعتقاله سالفة الذكر حالت دون تعيينه فى وظيفة وكيل النيابة.
لكن التقى صاحب "دموع صاحبة الجلالة" مرة أخرى مع صاحب سيرة "الأيام" بعد عمله فى الجمهورية، حيث تم تعيين عميد الأدب العربى، كرئيس للتحرير بشكل شرفى، بحسب تأكيد صلاح سالم لموسى صبرى، لكن العميد كان يطلب الاطلاع على المانشتات وذات يوم رفض العميد مانشت يقول "ديجول فى أزمة" ورأى العميد أنه من الأفضل تغييره لـ"ديجول فى حرج" بسبب أن ما يواجه الرئيس الفرنسى لا يعد بمثابة أزمة، وهنا أكد موسى صبرى أن كلمة حرج صعبة فى المانشات خاصة وأنها تكتب بدون تشكيل، لكن العميد أصر، وحين استشار كامل الشناوى طلب منه استمرار المانشت الأول، وأنه سوف يحدث العميد، إلا أن ذلك لم يحدث وحدث أزمة كبيرة بسبب ذلك هدد فيها طه حسين بالاستقالة.
الأزمة الأكبر الذى واجهت "صبرى" مع صاحب "دعاء الكروان"، كانت عندما قام الكاتب إبراهيم الوردانى بنشر مقال له بجريدة الجمهورية يرى فيها أن من يطالبوا بدراسة الأدب اليونانى القديم، يطالبون بدراسة أدب العفاريت والأساطير والخرافات التى ليست لها قيمة، وهو المقال الذى وجه فيه العميد دعوة للتخلف، واحتج لأن المقال أيضا لم يعرض عليه.
وقرر العميد مواجهة ذلك التخريف من وجهة نظره، بنشر مقال للرد على ذلك، وأن ذلك قمة الجهل، مشيرا إلى أدباء الجيل الجديد لا يقرأون، وأثناء مراجعة "موسى" للمقال وجد أن طه حسين ظلمه بعدما هاجمه بالمقال، وطلب من كامل الشناوى عدم نشر المقال وإلا استقال، إلا أن الأخير عرض عليه عرض المقال ومن ثم الرد عليه.
وبالفعل قام "موسى" بكتابة رد عنيف على طه حسين، حيث قال: اعترف بأننى اندفعت فى الرد بعاطفة طائشة، فقد كنت اتفانى فى عملى، وأساءنى أن أتهم بالجهل والإهمال، وتملكنى حماسة عنيفة" وبعدها شعر بأنه لابد من الاعتذار لعميد الأدب العربى، حيث اتصل به على الفور، واعتذر له، فما كان من الأخير أن رد عليه بكل ترحاب، وأكد له أنه يتابع مقالاته وأن يعمل مدى علمه، وهنا أهدى له موسى صرى نسخة من كتابه"ثورة كوبا".
قصة حب فاشلة مع فنانة مشهورة
فى يونيو 1953، واجه صبرى تجربة حب قاسية، حيث وقع فى غرام فنانة مشهورة، كان يرسل إليها باقات الزهور، وعليها كلمات الغرام المتدفقة، حيث كان يراها كل يوم، وأحيانا يبيت فى منزلها، وذلك بعدما ارتفعت فى يوم حرارته إلى أربعين درجة، وأسرع إليها لأنه لا يستطيع أن يمضى يوم دون رؤيتها، وخشيت على عليه من التهاب رئوى، فبقيت فى منزلها وهى تمرضه.
لكن ذات يوم أخبرته أنها سوف تتزوج، فقال له كيف وحبنا، قالت له: حبنا خيال جميل، لكن الزواج واقع أجمل، فرد عليها: وأنا؟، فقالت: هذه مشكلتلك ولن ترانى بعد اليوم.
ترك موسى صبرى شقتها وهو فاقد للبصر والبصيرة كما وصف هو حاله، كان كالطير الذبيح، حاول بعض أصدقاؤه إقناعها بمجرد رؤيته لكنها رفضت، فكان يدور حول بيتها بسيارته بعد منتصف الليل، يتملس النور المضىء فى شرفتها ويحزن كلما تصور أنه فى أحضان شخصا أخر حتى لو كان زوجها.
وهنا طلب منه على أمين أن يسافر إلى الخارج فى رحلة عمل كبيرة، كى يستطيع أن ينسى هذا الحب، وهنا قرر السفر إلى إيران.
العديد من التقارير تناولت علاقته بتلك الفنانة، وذكر البعض إنها الشحرورة صباح، حيث أكد الكاتب الصحفى أيمن الحكيم فى مقال له بعنوان "معركة موسى صبرى الأخيرة"، أن موسى كان يحب الفنانة الراحلة صباح وكان ينوى الزواج منها لكنها تراجعت عن تلك الخطوة.
هجومه على سهير البابلى
فى خريف العام 1989 بدأت المعركة بين بارون الصحافة وملكة المسرح كما كانت تلقب سهير البابلى، كان موسى صبرى قد خرج قبلها بخمس سنوات للتقاعد بعد أن رأس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئاسة تحرير "الأخبار" وكان يومها من أبرز كتاب الدار ويكتب مقالا سياسيا يوميا فى "الأخبار" وآخر أسبوعيا فى "آخر ساعة" اسمه (بعيدا عن السياسة) يخصصه لآرائه فى الفن والثقافة والحياة.. وكانت سهير البابلى حينها هى ملكة المسرح المتوجة بعد النجاح الساحق الذى حققته فى مسرحية (على الرصيف) مع المخرج الكبير جلال الشرقاوى وما أثارته من عواصف سياسية ونقدية ورقابية.
وبحسب ما يذكره الكاتب الصحفى أيمن الحكيم فى مقاله سالف الذكر، إنه بعد (على الرصيف) أنتج لها سمير خفاجى مسرحية (نص أنا.. نص إنتى) شاركها البطولة إسعاد يونس وشريف منير وأسامة عباس وأخرجها حسين كمال وبدأ عرضها فى صيف 1988، وذهب موسى صبرى لمشاهدتها فوجدها فرصة ليصفى حسابه القديم.
وكانت المسرحية تتضمن خروجا صارخا على النص، وأطلق موسى صبرى الطلقة الأولى فى المعركة من خلال مقال فى الأخبار، يمكن اعتباره بلاغا للرقابة ضد التجاوزات التى تحدث على خشبة المسرح، وخص بالذكر ما تفعله سهير البابلى، وانتقد هجومها وسخريتها من الوزراء وكبار المسئولين وتعريضها بهم على خشبة المسرح ما يصل لدرجة الإهانة الشخصية، وتوقف عند ما تقوله بحق وزيرة التأمينات الدكتورة آمال عثمان ووزير الإسكان حسب الله الكفراوى ورئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب.. وفى اليوم نفسه كان رئيس الرقابة عبد الرحيم سرور يطير إلى الإسكندرية ليحضر العرض ويراقبه بنفسه على مدار أربع ليال، وهاجمها بعنف مفرط متهما إياها بأنها حولت المسرح إلى "غرزة".
وبعدها، وفى مقاله (بعيدا عن السياسة)، قرر موسى صبرى التصعيد، فكتب (فى 18 أكتوبر 1989) تلك الفقرة تحت عنوان (لا تعامل مع الهابطين بالفن).
وخرجت سهير البابلى لترد، وعلى طريقة (كيد العوالم) وجهت الشكر لموسى صبرى لأن هجومه عليها تسبب فى تدفق الجمهور على المسرح لمشاهدة العرض "الملعون"، وصالة المسرح أصبحت كاملة العدد، ولذلك فهى تعتبر أن الجمهور ناب عنها فى الرد على موسى صبرى!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة