"لن ننسى لهم ذلك".. هكذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال الندوة الثقافية بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر المجيد، في إشارة إلى الدعم الذى قدمه الأشقاء العرب، إلى "أرض الكنانة"، والذى لم يقتصر في نطاقه على أيام المعركة العسكرية، وإنما قبل ذلك، وتحديدا في أعقاب النكسة، عبر تقديم الدعم المالى والعسكرى، للجيش المصرى، حتى يمكنه الاستعداد ليستعيد كرامته، قبل أرضه، في غضون 6 سنوات، بانتصار مدو، شهد به العالم، من أقاصى الأرض، إلى أقصاها، وهو ما يمثل إنجازا قياسيا، في الأعراف العسكرية، وهو ما يعكس أحد أساسيات الدبلوماسية المصرية، في "الجمهورية الجديدة"، والتي تقوم على مبدأ التعاون وتعزيز العمل العربى المشترك، باعتباره ضمانا لتحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم.
ولعل الاعتزاز المصرى بدور أشقائها العرب، ليس بالأمر الجديد تماما، فقد سبق للرئيس السيسى التأكيد في العديد من المناسبات، على دور الدول العربية في دعم إرادة المصريين إبان ثورة الـ30 من يونيو، والتي كانت بمثابة "عبورا" ثانيا، أنقذ الدولة والشعب معا، من براثن الفوضى، وهو الأمر الذى ساهم في إضفاء "الشرعية" الدولية، للحراك المصرى، بعد محاولات من قبل العديد من القوى العالمية، لتشويهه، من أجل إعادة "عقارب الساعة" إلى الوراء، ولكن دون جدوى، لتتحول الجمهورية الجديدة، إلى واقع حقيقى على الأرض، يحمل الخير ليس فقط لنفسها، بل لمحيطها الإقليمى والدولى، عبر مشروعات اقتصادية عملاقة، لم يقتصر نطاق نفعها على الداخل المصرى، وإنما امتد إلى دولا أخرى، في دوائرها الدبلوماسية المتعددة.
الرؤية المصرية، والتي تتبناها "الجمهورية الجديدة" تحمل إيمانا راسخا، بضرورة التعاون، لتحقيق الأهداف المشتركة، مع الاعتراف بحقيقة مفادها أن الخلافات في بعض القضايا يبدو أمرا واردا، في إطار السياسة، والتي تتغلب برجماتيتها، وأبعادها المصلحية، في الكثير من الأحيان، على التوجهات التي تتبناها الدول، إلا أنه، طبقا للرؤية المصرية، يمكن تجاوزها، عبر خلق المزيد من المصالح المشتركة، وأطر التعاون، لتحقيق أمن واستقرار الإقليم، وهو الأمر الذى ينطبق على سبيل المثال على الدعم المصرى للعراق، عبر تدشين تحالفا ثلاثيا مع الأردن، وللجهود الإقليمية الهادفة إلى خلق حوار هادف، بين القوى المتصارعة، سواء في الداخل، أو على المستوى الدولى، وهو ما بدا في مؤتمر بغداد الذى انعقد في أغسطس الماضى، والذى شهد مشاركة القوى العربية، جنبا إلى جنب مع قوى إقليمية متنافسة معها، في سابقة مهمة للحوار.
وهنا يمكننا القول بأن النهج المصرى، في التعامل مع محيطه الإقليمى، وفى القلب منه الدول العربية، يقوم في الأساس على ما يمكننا تسميته بدبلوماسية "بناء التعاون"، وتقوم في الأساس على استباق الصراع بالحوار، وبالتالي قطع الطريق أمام الحروب، من خلال خلق المزيد من المصالح المشتركة، التي من شأنها تحقيق مزيد من الارتباط بين القوى المتنافسة.
دبلوماسية "بناء التعاون"، تبدو مرحلة متقدمة من مبادرات أخرى، سبق وأن تقدم بها عددا من المسئولين الدوليين، منها استراتيجية "بناء السلام"، والتي تناولها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالى، والتي ارتكزت على دور المنظمة الدولية الرئيسية في العالم على بناء السلام في أعقاب الصراعات، بينما تبقى الرؤية المصرية قائمة في الأساس على منع وقوع الصراع، عبر بناء التعاون، وهو ما يمثل بادرة مهمة، في عالم السياسة الدولية.
الموقف المصرى القائم على "بناء التعاون" لم يقتصر في جوهره على منطقة الشرق الأوسط، وإنما امتد إلى المحيط الإفريقى، عبر خلق شبكة كبيرة من العلاقات مع الشركاء الأفارقة، كما امتد كذلك إلى الدائرة المتوسطية، من خلال تقوية العلاقة مع قبرص واليونان، عبر مشروعات اقتصادية عملاقة، ناهيك عن الدخول في شراكات قوية مع دول أوروبا الرئيسية، على غرار إيطاليا وفرنسا، وغيرهما، لتحقيق المصالح المشتركة، وبالتالي تجاوز أي قدر من الخلافات إن وجدت.