كنت قد كتبت أكثر من مقال فى هذه المساحة، عن أن السوشيال ميديا عالم افتراضى وهمى، وكان آخرها مقال كتبته منذ 14 يوما بالضبط، وتحديدا يوم 3 أكتوبر الجارى، تحت عنوان «السوشيال ميديا عالم افتراضى وهمى.. شهادة قوية من كبير الآباء المبشرين!» وقلت نصا: «منذ سنوات، وعقب أحداث يناير 2011 خرجت طائفة نصبت أنفسها «كبار كهنة السوشيال ميديا» دشنوا أن الـ«فيس بوك» و«تويتر» على وجه الخصوص، وسائل إصلاحية جديدة، قادرة على تغيير الواقع، وتبديل الثقافات، وهدم أركان العادات والتقاليد، وأنها مرآة سحرية، تعكس واقع المجتمع، ويمكن البناء على هذه الصور، والتعامل معها باعتبارها حقائق لا تقبل الشك، ولا يقترب منها الباطل!».
وفوجئت بالدكتور أحمد زايد، يرصد الظاهرة بقلمه، وكأنه يقدم بحثا علميا موثقا، فى تقرير محترم، منشور فى نشرة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وذلك بتاريخ 8 أكتوبر 2021 أى بعد مقالى بخمسة أيام. والحقيقة أن الدكتور أحمد زايد، تطرق وبالأرقام لنقاط جوهرية، ولفت النظر بقوة، لمخاطر السوشيال ميديا، أو العالم الافتراضى، أو استخدام التكنولوجيا الرقمية الخاطئ، وانعكاساتها على حياة الإنسان ونمط حياته الاجتماعية، تشكيل ثقافة وهوية وعلاقات الفرد، ووسط كل ذلك، كما يقول الدكتور أحمد زايد، برزت عدة مفاهيم مرتبطة تُشكِّل فى مُجملها ملامح المُجتمع الافتراضى، ومن أبرز تلك المفاهيم ما يُعرف بـ«الهوية الافتراضية».
وتعريف مبسط للهوية، فهى مجموع القيم والمثل والمبادئ التى تُشكِّل الأساس الراسخ لشخصية الفرد أو الجماعة، وتتكون هوية الفرد من عقيدته ولغته وثقافته وحضارته وتاريخه، وهى التى يحقق بها الفرد ذاته ويؤكد تميزه، وفى هذا الصدد، كما يؤكد الدكتور أحمد زايد، أن «الهوية الافتراضية» هى «مجموع الصفات والدلالات والرموز التى يوظفها الإنسان للتعريف بنفسه فى الفضـاء الافـتراضى، فيتفاعل ويتواصل عـلـى أسـاسها مع الآخرين، بـحـيـث قد لا يتوافق مضمونها مع هويته الحقيقية فى الواقع الاجتماعى».
ويُشير هذا التعريف إلى أن الإنسان أو «الذات الافتراضية» تعمل بطريقة واعية على إعادة إبراز وتشكيل هويتها عبر التنقل بين العوالم الافتراضية والشبكات الاجتماعية المتنوعة التى تعد مجالًا لعرض وتبادل المعلومات والقيم والمفاهيم والدلالات المختفة، والتى تنتج عن الأنساق الثقافية المتباينة، الأمر الذى يُفضى إلى تشكيل هوية الفرد الافتراضية.
ويلفت الدكتور أحمد زايد، النظر إلى تحدى مهم، يتمثّل فى تأثير تلك التفاعلات والآليات الرقمية فى المجتمع الافتراضى على تقويض أو تشويه هوية الفرد الأصلية، وتقويض دعائم وركائز مرجعيته الثقافية والقيمية الأصيلة، خاصة أن التفاعلات الرقمية تتسم بشكل كبير بطابع انفعالى عاطفى، قد لا يستند إلى الأحكام المنطقية، فضلًا عن أن الإنسان الافتراضى يَعتبر أن هذا الفضاء الافتراضى يوفر له مساحة للتحرر من سلطة الواقع وإعادة تشكيل هويته والتعبير عن ذاته، وذلك بعيدًا عن كل القيم والمعايير التى كانت تشكِّل عبئًا عليه، الأمر الذى يُحتم على الأفراد تدعيم رؤيتهم الثقافية والحضارية العميقة ومنظومة قيمهم الأساسية من أجل تحقيق التواصل الهادف الذى ينعكس بشكل إيجابى على الحياة الواقعية.
ويقول الدكتور أحمد زايد: بالتزامن مع ظهور التكنولوجيا الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعى ظهر مصطلح «المواطنة الرقمية» الذى يشير إلى القدرة على المشاركة بفعالية وإيجابية وكفاءة على الإنترنت، سواء كان ذلك من جانب الشباب أو مختلف الفئات التى تستخدم التكنولوجيا الرقمية فى جميع أنحاء العالم. ويتم ذلك عبر تنمية مهارات التواصل التى يتم تطويعها لممارسة مختلف أشكال المشاركة الاجتماعية الرقمية، مع مراعاة الاستخدام المسؤول والصحيح للتكنولوجيا، الذى يسمح بالاستفادة القصوى من فوائد الإنترنت والفرص التى يتيحها، إلى جانب مراعاة تهيئة الإنسان لمواجهة الأضرار المحتملة من استخدام التكنولوجيا.
مخاطر الهوية، تتكشف عند النظر للأرقام التى يتضمنها أحدث التقارير الصادرة عن موقع «Data Reportal» فى يوليو 2021، والذى يؤكد أن إجمالى مستخدمى الإنترنت فى العالم بلغ 4.8 مليار نسمة، بزيادة قدرها 5.7% عن العام السابق، كما بلغ إجمالى المتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم 4.48 مليار نسمة، بزيادة قدرها 13.1% عن العام السابق 2020.