فى كل كارثة أو صراع أو حرب، هناك دائما «أغنياء الحرب»، يتاجرون فى السلاح والموت، ويعودون للمشاركة فى إعادة بناء ما دمرته الحرب، وبعد عشر سنوات تقريبا على بدء تفاعلات التغيير فى المنطقة العربية، يظل تنظيم داعش هو أكثر الأسئلة والأحداث غموضا فى عقد كامل، داعش كان النتيجة الأكثر وضوحا فى كل الدول العربية التى شهدت تحولات التغيير، بل وامتد التنظيم للدول التى كانت بعيدة عن الربيع العربى.
داعش كيان بروح «المرتزقة» يرفع شعارات دينية، ويستخدم نفس الآيات والأحاديث التى استعملها الإخوان، ووظفها تنظيم القاعدة، وقبله تنظيم الجهاد والتكفير وكل التنظيمات التى غلفت خطابها التكفيرى بغلاف دينى وبطريقة واحدة للتفسير.
كل المؤشرات فى تفسير الإرهاب الأيديولوجى، تكشف عن سقوط التفسيرات الجاهزة، التى تربط بين الإرهاب والقمع أو الفقر والجهل، وكان كبار مؤسسى التنظيمات الإرهابية ومنظريها متعلمين ولم يكونوا فقراء أو جهلاء، وبعضهم كان حاصلا على دراسات عليا.. أسامة بن لادن «مهندس» وأيمن الظواهرى «طبيب»، وأغلب قيادات الإرهاب حاصلون على شهادات عليا، ولا يمنع الأمر من أن جنود أو وقود النار من الشباب نصف المتعلم المستعد للسمع والطاعة العمياء من دون مناقشة، فالحوار هو عدو الإرهابيين والمتطرفين، والنقاش هو أخطر ما يمكن أن يواجهه الدواعش.
وبعد عشر سنوات ما زال هناك سؤال عن مصير فلول تنظيم داعش، وأين ذهب كل مقاتليه الذين كانوا يستعرضون قوتهم أمام الكاميرات، فى ذبح العزل وتفجير المسالمين.
داعش انتشر فى العراق وسوريا وليبيا، وفى ظل صعود التنظيم كانت هناك أفلام وتسجيلات تعرض المبايعات والانضمامات التليفزيونية المدعومة إعلاميا وفضائيا و«إنترنتيا»، ركب داعش قطار الربيع العربى وأصبح اليد التى تحفز الخوف وتضاعف استهلاك السلاح، دعك من خطاب داعش، فقد كان تنظيم القاعدة نموذجا لوضع شعارات إسلامية على شفاه ورايات الإرهابيين.
ولم يحصل داعش على كل هذا السلاح من كائنات فضائية، سلاح متطور، سيارات ومدرعات أمريكى وبريطانى وأوروبى، وركب الربيع العربى مع سيارات الدفع الرباعى، لم يخرج داعش من تحت الأرض، بل تم إدخاله بمعرفة أجهزة استخبارات ومقاولى حروب بتمويل إقليمى، وبمساندة فضائيات وصحف كانت تروج وتسوق حربا بالوكالة باسم الحرية، وجرى إنتاجه بمعرفة الولايات المتحدة وحلف الناتو فى سوريا والعراق وليبيا، وهى منظومة متداخلة مع الكثير من التفاصيل طوال عشر سنوات على الأقل.
هناك جيوش من الإعلاميين ارتزقوا وما زالوا من هذه الشبكات، وبعض الإرهابيين السابقين والمعتزلين أصبحوا جزءا من شبكات التسويق للإرهاب ودعم تنظيم الإخوان وغيره من تنظيمات الإرهاب، بل إن هناك إرهابيين ارتدوا ملابس حقوقية، وظهروا ضمن شبكات الدعاية التى تدافع عن التطرف والإرهاب، ضمن مشروع التجارة فى الربيع العربى.
داعش اختفى نسبيا من العراق وسوريا، لكن أعضاءه وقياداته غيروا المهنة وانضموا إلى عمليات سياسية، وبعضهم بالفعل أعاد تقديم نفسه فى عمليات سياسية أو اقتصادية، هناك دائما إرهابيون فى منظومة السياسة ما بعد الحرب، وهم تجار التطرف والسلاح والمخدرات وغسل الأموال.
الآن يبدو داعش قد اختفى، بينما كثير من المؤشرات تلفت إلى أن داعش أعاد توزيع كوادره وخلاياه فى دول أفريقية أو آسيوية، ولا تزال خلاياه جاهزة لتقديم خدمات الإرهاب لمن يدفع، فقد سبق وانتقل مرتزقة داعش من سوريا والعراق إلى ليبيا، ودول غرب أفريقيا، وما زالت هناك مصادر تمويل تصل للتنظيم، الجاهز للعب دور وركوب أى حدث، ورغم الظهور السريع لداعش، كان اختفاؤه هو الآخر سريعا، لكنه ما زال يمثل أحد ألغاز العقد الماضى، وربما المقبل.