انتقل رئيس نيابة أمن الدولة العليا «شريف الحلوانى»، إلى حجرة أديب نوبل نجيب محفوظ بمستشفى الشرطة بمنطقة العجوزة بالجيزة يوم 20 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1994، للحصول على أقواله فى محاولة اغتياله الإرهابية يوم 14 أكتوبر 1994.
ووفقا لمحضر التحقيقات المنشور فى كتاب «أولاد حارتنا، سيرة الراوية المحرمة» للكاتب الصحفى محمد شعير، شرح «محفوظ» كيف أقدم الإرهابى «محمد ناجى» على محاولة قتله بخنجر مدبب، وهو يستعد لركوب سيارة صديقه الدكتور فتحى هاشم، للتوجه إلى «كازينو قصر النيل» لحضور الندوة الأسبوعية الأدبية، وربط بين محاولة الاغتيال والفتوى الضالة التى أطلقها «عمر عبدالرحمن» بإهدار دمه.
قال: «أول ما شفت الشخص والمطواة بتترمى من إيده على جسمى، عرفت إن الموضوع موضوع إرهابيين، والموضوع اللى بسمعه من ست سنين حصل، لأن من ست سنين أيام ما حصلت على جايزة نوبل وأنا قاعد فى قهوة «شهر زاد» ومندوب من جريدة «النبأ» الكويتية كان ساعات يقعد معايا، وقال إن «عمر عبدالرحمن» أهدر دمك، وكنت أول مرة أسمع باسمه، وسألته ليه بيهدر دمى؟..فقال لى: عمر عبد الرحمن بيقول لو أننا قتلنا نجيب محفوظ من 30 سنة، مكانش طلع (سلمان رشدى)، وبعد الواقعة دى بأيام اتصل بى أحد رجال الأمن المصرى، وقال لى: أنصحك تتخذ حارسا يكون مرافقا لك فى تنقلاتك، فأنا قلت له إن كلام عمر عبدالرحمن لم يقل فتوى بالقتل، ولكنها جملة شرطية بيقول لو أننا قتلنا نجيب محفوظ من 30 سنة مكانش طلع سلمان رشدى، فقال لى: عمر عبدالرحمن له أتباع ومهاويس، وممكن واحد منهم يفهم من الكلام ده على إنه إشارة أو فتوى بالقتل».
علق «محفوظ» على ما يثيره الإرهابيون حول «أولاد حارتنا»، قائلا: «أحب أن أوضح شيئا مهم بخصوص «أولاد حارتنا» اللى بيتخذها الإرهابيون كسند أودليل لهم على استباحة دمى، أو على أننى مرتد على حد قولهم وهو إن الرواية ألفت قبلها روايات كثيرة بتطبع ككتب، و«أولاد حارتنا» كانت بداية اتصالى بالصحافة، وكانت تنشر مسلسلة فى جريدة «الأهرام»، وبداية مش معقول يكون رواية فيها مجازفة فكرية أواجتراء على الذات الإلهية، واختارها لكى تنشر على عناوين الصحف».
يضيف محفوظ: «أولاد حارتنا» مثل «كليلة ودمنة» تخلق عالما متطورا لتوحى بعالم وراءه، فنحن بين الحيوانات عايشين فى غابة، ولكن تعرف ويعرف القارئ العادى إن احنا نقصد نقد البشر ونظم الحكم، والعلاقات بين الأفراد وحكمة الحكماء، وسفاهة السفهاء، ولكن ما دام التزمنا إن إحنا نكون فى الغابة، فلازم يكون أبطالنا حيوانات ولا نحاسب ونحن بنعاملهم معاملة الحيوانات، لأننا بنعامل المرموز له بالحيوان، وعلى نفس النمط مشيت فى «أولاد حارتنا» بأعرض فيها المصريين فى حارة، وأسلوب حياتهم، والظلم بكل ما فيه، ثم يجئ ناس اللى رمزت لهم برمز الرسل وغيره ليدافعوا عن الحارة وعلشان وصية الجبلاوى تنفذ، علشان يحسن هذا الرمز فى الحارة فى صراع بين الأشرار التى فيها بينهبوا الوقف ويظلموا العباد، حتى ينتصر الحق فى النهاية كرمز لانتصار دين من الأديان، وبالعكس الرواية بتصور إن الدين لعب دورا فى تطوير البشرية، والدفاع عن أبنائها باسم المبادئ الإلهية، وفى ذات القصة يجئ واحد اسمه «عرفة» معجبانى بنفسه، وادعى إن هو اللى يقدر يصلح الحارة مش «الجبلاوى» ولا غيره، وأدعى كمان إن«الجبلاوى» مات وراح لحاله، وإذا به يقع تحت سيطرة «ناظر الوقف»، وكل عمله يسخره فى خدمة«الناظر»، وليس فى خدمة الحارة، لذلك هو بنفسه قال يجب إحياء«الجبلاوى»، وموت «الجبلاوى» وإحياؤه رمز للكفر والعودة للإيمان بإحياء الجبلاوى».
يؤكد «محفوظ»: «الرواية دى من وجهة نظرى أنا ككاتب أول تبشير لضرورة التحام العلم بالإيمان، والرواية تقول بصريح العبارة إن الدين أنقذ البشرية من المظالم، والعلم قادر أيضا على أن يرتقى بها ويحسن حالتها، لكن بشرط ألا يحيد عن مبادئ الدين، وهذا دليل آخر على أن هذه الرواية لا تتضمن ارتدادا أو كفرا أو طعنا فى الأنبياء والرسل.
سأل رئيس النيابة عما قاله المتهمان«محمد المحلاوى» و«محمد ناجى» فى التحقيقات، أن الرواية تدعو إلى أن الناس يجب أن تعيش من غير إله ولا دين..أجاب «محفوظ»: «هؤلاء الذين يدعون ذلك لا يقرأون القصص الأدبية بعين أدبية أوإنسانية تريد أن تعرف الحقيقة، وصراع الخير والشر، إنما المهم العمل فى نظرهم يكون خاضعا حرفيا لتعليمات الدين، وحتى فى ذلك هم يغالون لأن الدين نفسه عرض قصة الخير والشر، وقصة عصيان (إبليس) على الذات الإلهية، ورواياتى كلها بتدور حول مفاهيم واضحة لايمكن أن يكون القصد منها التعرض لأى دين من أديان السماء أوازدراءه، والقول أننى كافر أو مرتد افتراء بل إنه فى اعتقادى قول صادر عن أشخاص لا يعرفون أمور دينهم الصحيح».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة