بعد مسيرة علمية وأكاديمية كبيرة، أبحر فيها بين الفلسفة والعقيدة الإسلامية، رحل عن عالمنا اليوم، الفيلسوف والمفكر الإسلامى الكبير حسن حنفى، عن ناهز 86 عاما، والراحل يعد أحد منظرى تيار اليسار الإسلامى، وتيار علم الاستغراب، وأحد المفكرين العرب المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية.
ويعد حسن حنفى أحد أشهر أساتذة الفلسفة فى مصر وله العديد من الكتب منها التراث والتجديد فى 4 مجلدات، ومن النقل إلى الإبداع فى 9 مجلدات، وموسوعة الحضارة العربية، وحوار المشرق والمغرب، وغيرها الكثير من الإبداعات الفكرية.
ولد الدكتور حسن حنفى بالقاهرة عام 1935، وتخرج فى كلية الآداب، قسم الفلسفة جامعة القاهرة عام 1956، سافر إلى فرنسا فى نفس العام على نفقته الخاصة للدراسات العليا، حيث حصل على الماجستير ثم درجة دكتوراه الدولة من جامعة السوربون عام 1966.
ترجع جذور مشروع التراث والتجديد عند حنفى إلى مرحلة الدراسة لدرجة الدكتوراه فى باريس، ويتكون مشروع "التراث والتجديد"، انصب جل اهتمام الدكتور حسن حنفى على قضية "التراث والتجديد"، ينقسم مشروعه الأكبر إلى ثلاثة مستويات: يخاطب الأول منها المتخصصين، وقد حرص ألا يغادر أروقة الجامعات والمعاهد العلمية؛ والثانى للفلاسفة والمثقفين، بغرض نشر الوعى الفلسفى وبيان أثر المشروعِ فى الثقافة؛ والأخير للعامة، بغرض تحويل المَشروعِ إلى ثقافة شعبية سياسية.
ومن أشهر تلامذته المفكر الراحل د. نصر حامد أبو زيد (1943-2010)، علي مبروك الأستاذ المساعد بقسم الفلسفة، بكلية الآداب، جامعة القاهرة(1960- 2016)، حاز الراحل على عدد كبير من التكريمات أبرزها حصوله على جائزة الدولة التقديرية عام 2009، جائزة النيل فرع العلوم الاجتماعية 2015م، وجائزة المفكر الحر من بولندا وتسلمها من رئيس البلاد رسميا.
آخر كتبه "سيرته الذاتية"
وكانت آخر أعمال الراحل حسن حنفى سيرته الذاتية التى حملت عنوان "ذكريات حنفى" وجاءت فى أحد عشر فصلا، ابتدأ بـ الطفولة؛ والتعليم الجامعي، والسفر إلى فرنسا، ومرحلة الأستاذ الجامعي، والسفر إلى أمريكا، وفصول أخرى متعانقة بين الفلسفة ومشاريعها، والتعليمِ وهمومه، والتجارب والخبرات.. وانتهت بفصل "كل نفس ذائقة الموت"، كأنه ينعى نفسه فى الفصلى الأخير من فصولِ الحكاية الطويلة التى استمرت ثمانية عقود!
تحدث فيها أيضا عن العلم، ومشقة البحث، والحب، وغرائب الأسفار، وهموم المعرفة، وإظهار التفاصيل الدقيقة فى الحديث عن المدن والنساء، تحدث أيضا عن بعض المغامرات والوقائع التى شاهدها فى بلدان مختلفة، ولم يجد حرجا من ذكر ما يتعلق بالجنس الآخر، وفى بعض الأحيان يلمح برمزية ذكية عن التفاصيل الغير مكتملة، أو التى لا يرغب فى الإغراق فيها.
حمل أيضا حديثا عن تلامذته وعددا من أبناء جيله من أساتذة الفلسفة، حيث انتقد حسن حنفى فى ذكرياته نصر حامد أبو زيد، والذى وصفه "ابنى البكر"، وقال إنه بدأ حياته بنقده هو شخصيًا وذلك عندما قارن بين كتب حسن حنفى نفسه "العقيدة إلى الثورة"، و"اليسار الإسلامى" مؤكدًا أن المقارنة بين الاثنين خاطئة من الأساس، مشيرًا إلى أنه قدم له النصيحة بالهدوء وعدم المهاجمة فى الإعلام فى أزمة حصوله على الدكتوراه، دون أن يسمع له "نصر".
كما هاجم الراحل الدكتور على مبروك، حيث وصفه بأنه نموذج الصداقة التى تنقلب إلى غيرة وعداوة، موضحًا أنه لم يجدد فكره العلمى، وهو ما تسبب له فى صعوبة الحصول على درجة الماجستير فى الفلسفة الإسلامية، وكرر نفس الشىء فى الدكتوراه، لأنه يقدم بحثًا علميًا غير موثق، لكن فكرته جيدة.
لكن بعيدا عن مذكراته كان للفيلسوف الكبير حسن حنفى العديد من العناوين والمؤلفات الهامة فى الفلسفة والفكر والعقيدة الإسلامية ومن أبرز تلك المؤلفات:
موسوعة الحضارة العربية الإسلامية
تم ترتيب الموسوعة ضمن أجزاء ثلاثة. عنى الجزء الأول بالفلسفة وبالكيمياء والصيدلة والفيزيقا وعلم النبات وبالجغرافيا والجيولوجيا وذلك كله فى الحضارة العربية. أما الجزء الثانى فقد شمل علم أصول الدين وعلم أصول الفقه والعقل والنقل، والقرآن وعلومه، والحديث وعلومه، نظرية الخلافة وغيرها من العلوم الدينية في الحضارة العربية. وتمّ تخصيص الجزء الثالث للمواضيع التالية: الفقه الإسلامي، القضاء والحسبة، فن الحرب عند العرب في الجاهلية والإسلام، أثر الحروب الصليبية في العالم العربي وغيرها من المواضيع التي تتناول العلوم الاجتماعية والأدبية في الحضارة العربية الإسلامية.
دراسات فلسفية
يشتبك حسن حنفى، في كتابه "دراسات فلسفية" مع الواقع الإسلامي بصفة عامة، والمصري بصفة خاصة؛ إذ شهدت الساحة المصرية انقلابًا مريرًا بين الحركات الإسلامية والدولة المدنية، وتحول الأمر إلى صراع بين الإسلاميين والعلمانيين، وبدأتِ الجماعاتُ الإسلامية ومن سار على دَربها في الانقضاض على منجزات الثورة باسم "التراث" أثار الصراع الفكري حفيظةَ المفكر الذي قضى عمره وفكره يبحث في كيفية التعامل مع التراث الإسلامي دون إقصائه أو تحكمه في المستقبل الجديد؛ فأخذ يرسخ للجزء الأول من مشروعه الكبير "التراث والتجديد" عبر محوره الأول "موقفنا من التراث القديم" كما يراجع الفيلسوف العربي مسار الفكر الإسلامي منذ "جمال الدين الأفغاني" حتى عصر العلم والإيمان، مؤكدا أن نهايات هذا المسار أدت إلى كبوة في الفكر المعاصر، داعيا ومخططا لاستكمال المسيرة الفكرية بحيث تتواكب مع منطلقاته الأولى، ومتجاوزا عثراته السابقة.
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
يوصف كتاب "التراث والتجديد" بأنه "مانيفستو حسن حنفي"؛ إذ حدد فيه معالم مشروعه الفكرى؛ لذا فلا بد من قراءة البيان الحنفى الأول قبل الولوج إلى مشروعه الفكرى، طرح حنفي مشروعه "التراث والتجديد" الذى يعد واحدا من أهم المشاريع الفكرية في العالم الإسلامي فى العصر الحديث، منذ ثمانينيات القرن العشرين، وهو المشروع الذي أَفنى فيه عمره وبث فيه علمه وعمله، حاملا على عاتقه رؤيته لتجديد التراث، منطلقا من دراسته ومحاولة فهمه لإِعادة بنائه مرة أخرى من خلال علومه، مؤسسا ما يمكن تسميته "أيديولوجيا الواقع" يقوم مشروع التراث والتجديد على ثلاثة محاور؛ الأول هو "موقفنا من التراث القديم"، والثاني هو "موقفنا من التراث الغربى"، أما المحور الأَخير فقد جاء بعنوان "نظرية التفسير".
من النقل إلى الإبداع
يتناول الدكتور حسن حنفى في هذا الكتاب مفهوم "النص" الذي يتضمن الترجمة بأنواعها؛ الحرفية التي تطابق النص الأصلي المترجم عنه، على حساب المعنى، والمعنوية التي تعيد إنتاج النص الأصلي، كأنها مؤلفة من جديد، بلغة أكثر سلاسة وسهولة، ثم ينتقل للحديث عن المصطلح الفلسفي، كأهم عنصر من عناصر النقل، لكونه عصب الفكر ويقع فيه كل الإشكال، وينهي هذا الجزء بالحديث عن التعليق، ويقصد به التعليق على النص المترجم؛ وسائله، وطرقه، ومستوياته، ومادته، وهو بداية الخروج على النقل المعنوي إلى التأليف وإعادة إنتاج النص المنقول والاستقلال عنه وبداية القراءة.
من العقيدة إلى الثورة
يمثل كتاب "من العقيدة إلى الثورة" بأجزائه الخمسة ثورة على علم أصول الدين؛ فهو ينقد منهاج هذا العلم وأفكاره، ويدعو إلى تبني أفكار ومواقف جديدة تلائم العصر الحديث؛ فالحضارة الإسلامية ليست حدثا وانتهى، بل هي حدث إبداعي ينشأ في كل مرة يتفاعل فيها الإنسانُ مع المتغيرات السياسية والحضارية.
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
يرصد المفكر الكبير حسن حنفي، في هذا الكتاب وضع العالم العربي في العقد الأول من الألفية الثالثة، من خلال سلسلة من المقالات التي نشر بعضها في الصحف والمجلات المصرية والعربية، تناول فيها العديد من القضايا الشائكة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والحريات، والمناخ الديمقراطي، ودخول القوات الأمريكية العراقَ عام 2003م، والأيديولوجيات الموجودة على الساحة الفكرية، والفقر، والثقافة، والاستشراق، والإعلام، وغيرها من القضايا التي تهم المواطن العربي أينما كان، وعالج الكثير منها عن طريق تقديم نقد بناء لهذه القضايا، منطلقا من كونه مواطنا عربيا، يتحمل مسئوليته تجاه أُمته ووطنه، ومستندا على رؤية تاريخية ثاقبة، وضمير حى، وقلم صادق، في محاولة لإعادة الحياة إلى جسد الوطن العربي، واللحاق بقطار التنمية.
حصار الزمن
يتناول حسن حنفى فى كتابه "حصار الزمن" الوضع العربي الراهن والموقف الحضاري الذي تعيشه الثقافة العربية المحاصرة في الزمن بين الماضي والحاضر والمستقبل ، الماضي يشدها إليه وتعيش فيه، والمستقبل ترنو نحوه ويشدها إليه، والحاضر لا تعرف كيف تشخصه .. ويحاول الكاتب الإجابة على سؤال: في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟ ولا يمكن فك حصار الزمن إلا بعد إعادة بناء الماضي للتحرر من أسره، وأخذ موقف من المستقبل بدلاً من التسرع نحوه، وتحليل الواقع المباشر بدلاً من الهروب منه.
من الفناء إلى البقاء
يعد كتاب "من الفناء إلى البقاء" أيضاً دراسة في الطريق أي في البنية وليس في التاريخ. يعرض التاريخ من خلال البنية، ولا تعرض البنية من خلال التاريخ أسوة بالمحاولات الثلاث السابقة، "من العقيدة إلى الثورة" و"من النقل إلى الإبداع" و"من النص إلى الواقع". ومع ذلك يخرج في جزءين. الأول التصوف كتاريخ وعلم. ويضم فصولاً ستة: تشكّل الوعي التاريخي، والوعي التاريخي الخالص، والوعي التاريخي الموضوعي، والوعي الموضوعي، والوعي النظري، والوعي العملي، والتصوف كعلم يضم تعريفات التصوف وتصنيفه في تقسيم العلوم وعلوم الذوق، والعلم والعمل. ويضم المراحل السابقة، ويمزجها من التاريخ إلى الموضوع.
مقدمة في علم الإستغراب
ويقوم هذا البيان الثاني على أربعة محاور رئيسية. الأول تحديد "علم الاستغراب" في مقابل "الإستشراق"، وتحول الأنا من موضوع للدراسة إلى ذات دارس وتحول الآخر من ذات دارس الى موضوع مدروس إكمالاً لعملية التحرر الوطني على المستوى الحضاري، ورد فعل على المركزية الأوروبية، قلباً لمعادلة المركز والأطراف، ورد فعل أيضاً على ظاهرة "التغريب" في مجتمعاتنا لإنهاء موقف التلميذ الأبدي أمم الغرب العلم الأبدي "الباب الأول". والمحور الثاني "تكوين الوعي الأوروبي" إثباتاً لتاريخيته وبأنه ليس وعياً عالمياً يمثّل جميع الحضارات بل هو وعي خاص في ظروف خاصة، تكون عبر القرون على مراحل عدة: مرحلة المصادر من القرن الأول حتى السادس عشر (الباب الثاني)، ومرحلة البداية من القرنين السابع عشر والثامن عشر (الباب الثالث)، ومرحلة الذروة في القرن التاسع عشر (الباب الرابع) ونهاية البداية في النصف الأول من القرن العشرين (الباب الخامس) وبداية النهاية في النصف الثاني من القرن العشرين (الباب السادس". والمحور الثالث "بنية الوعي الأوروبي" يكشف البنية الداخلية التي تراكمت عبر هذا التكوين منذ القطيعة المعرفية في عصر النهضة.
حوار الأجيال
مجموعة من المقالات التى كتبها المؤلف فى فترة لا تقل عن ربع قرن والتى تدور فى مجملها عن الأوضاع السياسية والاجتماعية فى مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك.