محمد أحمد طنطاوى

المرض النفسى.. حقائق لا نعرفها

الأربعاء، 27 أكتوبر 2021 11:14 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

البعض يتصور أن المرض النفسي مجرد شعور عارض بالحزن، وضعف القدرة على التفكير وفقدان التركيز، والخوف والقلق أو العصبية فى مواقف معينة، إلا أنه في حقيقته أبعد من ذلك بكثير، فالموضوع يرتبط بعوامل مركبة شديدة التعقيد، لا يرجعها الأطباء لافتراض واحد، فلا يمكن أن يكون العامل الوراثي وحده سبباً دون حدوث تغييرات في كيمياء المخ، أو أن تتحول الضغوط الحياتية ومشكلات العمل فجأة إلى مرض نفسي، إلا إذا تعرض المريض لصدمات حادة، في ظل استعداد حقيقي للمرض النفسي.

من واقع خبرات وتفاعل مع الأطباء النفسيين وعلاقات طيبة معهم، عرفت أن المريض النفسي شخص عادى جداً لا يمكن أن تفرق بينه وبين أي شخص آخر، إلا في الحالات التي تحدث فيها الانتكاسة أو يتوقف عندها المريض عن تعاطى العقاقير، التي تستعيد النشاط لكيماء المخ، وتخلق حالة من التوازن النفسي لديه مرة أخرى، لذلك فالمرض النفسي لا يشكل خطراً على المجتمع أو على أصحابه أو أهله وأسرته، وليس كما صورته بعض أفلام السينما القديمة ثائر الشعر، شديد العصبية، يفترس كل من يقترب منه، دائم الكلام والضجيج، فهذه صورة مغايرة تماماً لطبيعة المريض النفسي، الذى غالباً ما يفضل الصمت والعزلة والانزواء عن المجتمع.

ما يجب أن تدركه أسرة المريض النفسي أنه في كل أو أغلب الحالات لا يمكن أن التخلى عن العلاج، وهذه ليست مشكلة، فيمكن التعامل معه كأنه مريض بالسكر أو ارتفاع ضغط الدم، وهذه أيضا أمراض مزمنة تحتاج إلى علاج يومي ولن يتخلى عنها المريض طيلة حياته، ولا يمكن أن يصل في مرحلة معينة إلى فكرة الشفاء التام منها، لذلك مهم جداً أن يدرك المريض النفسي وأسرته أن العلاج دائم، وضروري حتى تستقر حالته، ويجب أن تكون الأسرة على نفس درجة الوعي، ولا تنقطع عن زيارة الطبيب.

المريض النفسي قد يمر بمجموعة من الانتكاسات بين فترة وأخرى، في حال الانقطاع عن العلاجات الموصوفة، وأحياناً تحدث هذه الانتكاسات حتى في ظل الحصول على العلاج، بسبب الضغوط النفسية وحالة الاكتئاب التي قد يتعرض لها المريض وتؤثر على مستوى تفاعله مع المجتمع، ولعل أبرز ما يميز المريض قبل المرور بانتكاسة نفسية، عدم القدرة على النوم لفترات طويلة، لتبدأ مرحلة ظهور الوساوس والقلق المرضى، والهذيان وتذكر أشياء من سنوات طويلة، أو يتخيل وقائع لم تحدث، أو يتًهم المحيطين حوله بالغدر والخيانة، خاصة الزوجة والأبناء، وهذا شائع جدا في حالات مرضى الفصام.

الطب النفسي شهد تطورات كبيرة خلال السنوات الماضية وحقق طفرات إيجابية في مجال علاجات الأمراض النفسية، دون أن يكون لها آثار جانبية خطيرة على الصحة العامة، أو على مستوى نشاط المريض وقدرته على العمل، وهذه قضية هامة جداً تتعلق بضرورة اقتناع المريض بحقيقة مرضه، وخضوعه طواعية للعلاج بصورة منتظمة.

المرض النفسي لا يمنع صاحبه من العمل أو الإنجاز والتطور، وأكبر دليل على ذلك عالم الرياضيات الأمريكي الشهير جون ناش، الذي حصل على جائزة نوبل، وكان يعاني مرض "الفصام"، وانتصر على أوهامه وقاوم المرض بالعلم والمداومة على الأدوية، فكان يعترف بمرضه النفسي، ويعي جيداً أن الخيالات التي يراها ويسمعها غير حقيقية، ولن تؤثر على طريقه وقدرته على العطاء العلمي، لذلك بات أحد أشهر علماء الرياضيات في العالم، وأنتجت عنه السينما الأمريكية فيلماً هاماً بعنوان "العقل الجميل"، حصل على العديد من جوائز الأوسكار.

الصورة الذهنية التي نكونها عن المريض النفسي من الدراما أو المعلومات المغلوطة يجب أن تتغير، وعلينا أن نتعامل مع من يفترشون الشوارع ويعيشون بملابس متسخة وشعر كثيف، في مشهد يصفه البعض أنهم أصحاب كرامات أو "مبروكين"، بأنهم مرضى نفسيون، لم يتم توفير العلاجات اللازمة لهم، فصاروا إلى هذه الحالة الصعبة، لذلك لابد أن يكون هناك تحرك للكشف عن القوى العقلية للمشردين في الشوارع من الأطفال والكبار، والتعامل معهم باعتبارهم حالات أولى بالرعاية يمكن أن تستعيد عافيتها بمجرد تلقى العلاج اللازم.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة