أصدرت الدائرة المدنية "ب" بمحكمة النقض حكما رسخت فيه مبدأ قضائيا، بشأن العدول عن الأحكام من ذات المحكمة، قالت فيه: " القاضي لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغاؤه، إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة، وأن الأحكام القطعية سواء موضوعية أو فرعية ولو كانت باطلة أو مبنية على إجراء باطل لا يجوز عدول المحكمة التي أصدرتها عنها".
صدر الحكم في الطعن رقم 13542 لسنة 90 قضائية، برئاسة المستشار عبد الصبور خلف الله، وعضوية المستشارين محمد عبد المحسن منصور، وهشام عبد الحميد الجميلى، وعبد الناصر أحمد المنوفى، ومحمد الشهاوى.
الوقائع.. نزاع بين ورثة على أرض "وضع يد" منذ عام 1948
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضدهم من الأول حتى العاشرة أقاموا على مورث الطاعن الأول والمطعون ضدهما الأخيرين بصفتيهما الدعوى رقم 525 لسنة 2011 مدني أمام محكمة أسوان الابتدائية بطلب الحكم بإلزام مورث الطاعن الأول أن يؤدى إليهم مبلغ 100 ألف جنيه، كريع عن عقار التداعى عن الفترة من تاريخ استلامه بموجب محضر التسليم المؤرخ 12 سبتمبر 2007 وحتى تاريخ رفع الدعوى مع طرده وإلزامه بتسليمهم العقار وما عليه من مبانى ومنشأت.
وذلك على سند من القول – أن مورث الطاعن الأول قد أقام الدعوى رقم 168 لسنة 1998 مدنى كلى أسوان بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إليه مبلغ 100 ألف جنيه عن عين التداعي، وإلزامهم بتسليمها له، فوجه المطعون ضدهم من الأول حتى العاشرة دعوى فرعية بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهم لتلك العين بالمدة الطويلة المكسبة للملكية – على سند من وضع يد مورثهم عليها منذ عام 1948 وضع يد هادئ ومستقر، فقضت المحكمة في الدعوى الأصلية برفضها وفى الدعوى الفرعية بتثبيت ملكية المطعون ضدهم من الأول حتى العاشرة للأرض محل النزاع، فاستأنف مورث الطاعن الأول ذلك الحكم بالاستئناف رقم 1369 لسنة 22 قضائية عالى – وتم إلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى الفرعية وفى الدعوى الأصلية بتسليم مورث الطاعن الأول الأرض، فقام باستلامها بموجب محضر التسليم المؤرخ 12 سبتمبر 2007 فقاموا بالطعن على ذلك الحكم بالطعن رقم 6171 لسنة 77 قضائية، وإذ قضى لهم بنقض الحكم المطعون فيه وفى موضوع الاستئناف برفضه، وبتأييد الحكم المستأنف، فأقاموا هذه الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى ببطلان عقد البيع
وفى تلك الأثناء – ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره أضاف المطعون ضدهم من الأول حتى العاشرة طلبات جديدة بعدم نفاذ وبصورية عقد البيع المسجل رقم 522 لسنة 2009 توثيق أسوان في مواجهتهم صورية مطلقة ومحوه وشطبه واعتباره كأن لم يكن، وبتاريخ 26 يونيو 2018 حكمت المحكمة ببطلان عقد البيع المسجل رقم 522 لسنة 2009 توثيق أسوان ومحو تسجيله واعتباره كأن لم يكن وإعادة الدعوى للخبير لحساب الريع المستحق عن عقار التداعى، ثم استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف قنا "مأمورية أسوان" بالاستئناف رقم 1001 لسنة 37 قضائية.
وبعد أن أودع الخبير تقريره النهائي أمام محكمة درجة قضت بتاريخ 28 مايو 2019 بطرد الطاعن الثانى من عين النزاع وتسليمها للمطعون ضدهم وإلزامه بأن يؤدى إليهم مبلغ 21069,04 جنيه قيمة الريع عن عين التداعى عن الفترة من 12 سبتمبر 2007 حتى 17 نوفمبر 2011، ثم استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف قنا "مأمورية أسوان" بالاستئناف رقم 769 لسنة 38 قضائية، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت في الاستئناف الأول بعدم جوازه وفى الاستئناف الثانى برفضه، ثم طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض.
أما عن مبنى الدفع المبدى من النيابة العامة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأخير بصفته لرفعه من غير ذي صفة، حيث أنه لا يمثل مصلحة الشهر العقارى، وإنما يمثلها وزير العدل "المطعون ضده الحادى عشر بصفته".
مذكرة الطعن تستند على الخطأ في تطبيق القانون
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا الدفع في محله – ذلك أنه لما كان – من المقرر بقضاء هذه المحكمة – أن الأصل تطبيقاَ للأحكام العامة أن الوزير هو الذى يمثل وزارته بكل مصالحها وإدارتها في كافة الشئون المتعلقة بها، باعتباره المتولى الإشراف على شئون وزارته والمسئول عنها والذى يقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة، ولا يستثنى من ذلك إلا الحالة التي يسند القانون فيها إلى غيره صفة النيابة بالمدى والحدود التي رسمها القانون، ولما كان المطعون ضده الحادى عشر بصفته "وزير العدل" هو الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقارى، وكان المطعون ضده الأخير تابع لوزير العدل فلا يجوز له تمثيل المصلحة أمام القضاء، ومن ثم يكون اختصامه في الطعن غير مقبول.
واستندت مذكرة الطعن على عدة أسباب حيث ذكرت أن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقولان أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة بجلسة 26 يونيو 2018 أنه أورد في أسبابه المرتبطة بالمنطوق إنه رفض طلب الطرد والتسليم تأسيساَ على أن ذلك الطلب أصبح غير قابل للتنفيذ العيني، مما تضحى معه محكمة أول درجة قد استنفدت ولايتها بشأن هذا الطلب إلا أن الحكم الابتدائي الصادر – من ذات المحكمة – بجلسة 28 مايو 2019 والمؤيد بالحكم المطعون فيه قد عاد وفصل في طلب الطرد والتسليم، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
النقض تقرر: القاضي لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغاؤه إلا في حالة وحيدة
والمحكمة في حيثيات حكمها قالت إن هذا النعى سديد، ذلك أن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه بصدور الحكم يمتنع على المحكمة التي أصدرته العدول عما قضت به ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية – موضوعية أو فرعية – أنهت الخصومة أو لم تنهها وحتى يخرج النزاع من ولاية المحكمة يتعين أن تكون قد فصلت فيه صراحة أو ضمناَ ويستوي أن يكون حكمها صحيحاَ أو باطلاَ أو مبيناَ على إجراء باطل، ذلك لأن القاضي لا يسلط على قضائه، ولا يملك تعديله أو إلغاؤه، إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة.
ولما كان ذلك – وكان الثابت من الحكم الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 26 يونيو 2018 أنه قضى في أسبابه المرتبطة بالمنطوق برفض طلب الطرد والتسليم تأسيساَ على ما انتهى إليه تقرير الخبير المنتدب في الدعوى من أن عين التداعي ليس لها مدخل خاص ومحبوسة، ومن ثم يكون ذلك الطلب غير قابل للتنفيذ العينى ما لم يطلب المدعى تمكينه من المرور طبقا لقواعد الارتفاق، وإذ عادت ذات المحكمة في ذات النزاع بجلسة 28 مايو 2019 وعرضت لذات الطلب وقضت بطرد الطاعن الثانى من عين النزاع وتسليمها للمطعون ضدهم، فإنها تكون قد عدلت عن قضائها الأول بما يعيب هذا الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وإذ تمسك الطاعنان بذلك النعى أمام محكمة الاستئناف، مما كان يتعين عليها أن تعرض في قضائها لقضاء محكمة أول درجة الصادر بجلسة 26 يونيو 2018 والذى استنفدت به ولايتها دون حكمها الصادر بجلسة 28 مايو 2019 والذى عدلت فيه المحكمة عن قضائها السابق، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون واخطأ في تطبيقه، بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة