نلقى الضوء على كتاب "إعادة قراءة التاريخ" لـ قاسم عبده قاسم، وهو من الكتب المهمة التى تعرفنا كيف نقرأ التاريخ وكيف نطلع على كتب وموسوعاته، وكيف نتعامل مع المؤرخين.
يقول الكتاب تحت عنوان "القراءة الشعبية للتاريخ":
كيف نرى التاريخ من خلال عيون الناس وكيف تتكون الرؤية الشعبية للتاريخ؟
"التاريخ الشعبى" مصطلح يثير من المشكلات أكثر مما يطرح من حلول، إذ أن هناك جدلًا كبيرًا حول مدلول هذا المصطلح ومغزاه، والناظر فيما يكتبه الباحثون فى هذا المجال يشعر، للوهلة الأولى، أن هؤلاء الباحثين مشتبكون فى "مشاجرة" لا تبدو لها نهاية. ولسنا نقصد أن ندخل طرفا فى هذه "المشاجرة"، كما أننا لن ندعى لأنفسنا القدرة على فضها والفصل بين أطرافها. بيد أن ما يلفت النظر حقًا أنه كلما اتسع نطاق "المشاجرة" ظهرت جوانب جديدة لمصطلح "الموروث الشعبي"، من حيث مدلوله ومغزاه، ومن حيث الرسالة التى يحملها.
وفى تصورنا (وليس هذا دخولًا فى المشاجرة) أن الموروث الشعبى فى أحد معانيه هو نمط من القراءة الشعبية للتاريخ، فالموروث الشعبى يتعلق بأمور تدور حول المجتمع الإنسانى، ثقافته ونظامه الأخلاقى والقيمى من ناحية، ورؤية المجتمع لذاته وللآخر من ناحية ثانية، كما أن الموروث الشعبى يتسم بالبساطة والتلقائية من ناحية ثالثة. وعادة ما يحمل هذا الموروث الشعبى "نواة تاريخية" لأنه فى التحليل الأخير "القراءة الشعبية للتاريخ"، أى أنه يحمل تفسيرات شعبية لأحداث تاريخية، ويحكى عن "أبطال تاريخيين" من خلال الرؤية الشعبية التى تحمل من الخيال والرموز التى تخدم الأهداف الاجتماعية/الثقافية ما يجعلها تختلف عن أية "قراءة" أخرى لنفس الأحداث التاريخية. وتتميز القراءة الشعبية للتاريخ، التى تتجسد فى الموروث الشعبي، بخاصيتين تبدوان متناقضتين: أولاهما أنها تحمل أفكارًا ثابتة تشكل المنحى الثقافى للمجتمع، وثانيتهما أن القراءة الشعبية تحمل أيضًا تفسيرات لهذه الأفكار الثابتة تتجدد مع كل حقبة زمنية، ومن ثم فإن بوسعنا أن نصف الموروث الشعبى بأنه نوع من "القراءة الشعبية للتاريخ"، وهو ما يعنى أنه رؤية الجماعة لتاريخها، ولدورها فى صنع هذا التاريخ، بغض النظر عن التفاصيل التى تتعلق بالزمان أو المكان أو أبطال الحكاية التاريخية.
ويتضمن الموروث الشعبى مختلف أنماط الإبداع التلقائى للشعوب والجماعات، سواء كانت بدائية أم متحضرة، وبعبارة أخرى فإنه يشتمل على كل ما تم إنجازه عن طريق استخدام الأصوات والكلمات فى أشكال نثرية، أو فى أشكال غنائية شعرية، وسواء كانت غناء أو حكاية وسردًا بما تتضمنه من الاعتقادات الشعبية أو العادات والتقاليد، أو الخرافات والحكايات التى تبرر سلوكًا اجتماعيا أو نظاما أخلاقيا، أو ممارسة جماعية، وما يصحب ذلك أحيانا من رقصات أو تمثيليات أو أغانى وأناشيد، ومن خلال هذا كله يحمل الموروث الشعبى رؤية الشعوب لأصولها، ولأحداث تاريخها وأبطال هذا التاريخ، كما يحمل تفسيرا شعبيًا للظواهر الطبيعية فى البيئة التى كانت مسرحا للنشاط الحضارى عبر التاريخ ويتضمن علاقة كل شعب بغيره من الشعوب، ورؤية هذا الشعب للكون وللأشياء والعلاقات داخل هذا الكون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة